السعوديون من أكثر شعوب المنطقة استخداماً للتقنية، سواء كانت تلك التقنية متصلة بالجوالات، أوالأجهزة اللوحية، أو أنواع الحواسيب وأحدث الأجهزة التقنية. في هذه الأيام تطلق شركة “أبل” “آيباد 3” والناس في ولعٍ شديد بحثاً عن هذا الجهاز وانتظاراً له، يستبدلون أجهزةً بأخرى. ولئن كان في مواكبة التقنية شراءً واستخداماً إيجابياتٍ كثيرة، غير أن ما هو أهم من الاقتناء أن نفهم هذه التقنية. المشكلة أن بعضنا يتعامل مع التقنية على أنها فقط راحة بالٍ له، من دون أن يتساءل عن العبقريات التي ولدت هذه التقنية. بدءاً من الأدوات البسيطة كالساعة والسيارة، ووصولاً إلى أعقد الأجهزة وأكثرها سحراً مثل الأجهزة اللوحية والجوالات الذكية.
التقنية هي الثمرة وليست هي الشجرة، الشجرة التي أنتجت التقنية لها جذور علمية وعبقرية ورياضية وهندسية.
لو سألنا أي إنسانٍ يتباهى بالتقنية وبأجهزتها عن أسرار هذا الجهاز أو ذاك؛ ولو سألناه عن الظروف التي نشأ فيها هذا الاكتشاف لتلعثم. لأننا نتعامل للأسف مع التقنية على أنها هي الشجرة، فلا نسأل عن الجذور والظروف التي هيأت لولادة هذا الابتكار. الأجهزة التي نتمتع بها والتي اختصرت الزمن والوقت والجهد والورق نتاج علم طويل، ونتاج عبقرياتٍ فذة احترفت العلم والعمل، فلا نأخذ التقنية بسطحيتها بل علينا أن نتدبر في هذه الإنجازات التي أثمرتها الحضارة المعاصرة والعلوم الحديثة بكل فروعها.
أكبر دليلٍ على أننا نتعامل مع التقنية بمعزل عن شجرتها إهمال بعضنا للقيم التي تحملها التقنية. بعضهم يستخدم أحدث الأجهزة التقنية ويتصفح المواقع، ويحمل كل البرامج لمهاجمة الناس، ولتكرير أخلاقه السيئة التي لم يحسنها، بل ويسجل في أحدث المواقع التفاعلية الاجتماعية لمهاجمة الغرب، أو الحضارة الغربية، أو مهاجمة العلوم الحديثة، مع أن كل ما هاجمه هو سبب من أسباب إثمار التقنية التي يستخدمها هو، وهذا من التناقض العجيب. إنني أحترم من ترك الحضارة الغربية بحلوها ومرها، وهجر الجوالات، ولزم بيت الطين، فهذا متسق مع نفسه وأفكاره، لكن الذي لا يُفهم أن يستخدم الفرد منتجات الحضارة ليهاجمها، والأدهى والأمر أن يعتقد أن الغرب “سخّرهم الله” لخدمة المسلمين والاختراعات، ليتفرغ المسلمون للعبادة فلا وقت لديهم للاختراع!
قال أبو عبدالله غفر الله له: والتقنية تكشف تناقضاتٍ كثيرة، وهذا مثال واحد على التناقض، ومن تامل بكيفية التعامل مع المنجزات الحديثة سيهوله حجم التناقض بين التمتع بمنتجات الحضارة المعاصرة وبنفس الوقت الهجوم عليها.