الكلمات التي يحبّرها الكتاب في مقالاتهم، أو تلك التي تضمها الكتب لها دور كبير في التأثير على العالم وتغييره. الكثير من الإنجازات كانت في البداية كلماتٍ مكتوبة ثم مع العمل والجهد تحولت إلى واقعٍ ملموس. إذا رجعنا إلى الحضارات العظيمة في عالم اليوم سنعثر على بدايات نظرية من بضع كلمات هي التي صاغت واقعاً جديداً في العالم المتحضر. الكلمات الصغيرة أحياناً تكون مخاضاً لولادة واقعٍ كبير. إذا أخذنا نموذج “غاندي” فإننا لن نجده استخدم أكثر من الكلمات المسالمة. الكلمة سلاح الأقوياء كما أن العنف سلاح الضعفاء.
يتساءل أدونيس مرةً عن سبب تحول الكلمة إلى “جريمة” في العالم العربي؟! ونزار قباني قارن بين الكلمة والفكر في منعها لدى العرب وبين “الحشيش والأفيون”. حيث يعاقب من تفوه بكلمة إما لإيصال فكرة، أو لنقد منهج، أو لإثراء واقع. وفي التاريخ العربي حوربت الكلمة. قتل المفكرين والشعراء والأدباء والفقهاء كان سمةً من سمات التاريخ العربي والإسلامي. هذا غير الجلد والتضييق والامتحان. الكلمة في الثقافة العربية لا تزال مخيفة، تثير الرعب والقلق، ولا أدري لماذا تخيفنا الكلمات؟!
إن الكلمات القوية المليئة بالطاقة النقدية أو المعنى الإنساني أو الرؤية الحضارية هي أساس نهضة الإنسان، وإذا كان في الإنجيل: “في البدء كانت الكلمة” وبدأ تنزل القرآن الكريم بـ: “اقرأ باسم ربك”، الكلمات هي بدايات الحضارات وتغيير شمل العالم كله. حين نزع غاندي عن كتفيه البدلة والكرافات ولبس الأقمشة البيضاء وبيده العصا وبفمه الكلمة استطاع أن يقود مجال تغيير كبير في الهند، وأن يطرد من خلال الاعتصامات والسلوكيات السلمية إمبراطورية عظيمة مثل بريطانيا من ضفاف الهند. وهذا ما يعطي الكلمة قيمتها وحيويتها في تاريخ الإنسانية. الكلمة هي شرارة التغيير والنهضة والخوف منها والتضييق على المتفوه بها يدل على أرقٍ وقلق من مفعولها الكبير!
قال أبو عبدالله غفر الله له: لو أن الكلمة تعني مجرد حروف لا تقدم ولا تؤخر لما حوربت بهذه القوة والجبروت، امتلأت السجون في تاريخنا العربي والإسلامي بأصحاب الكلمة حيث يسجنون مع المجرمين، لأنهم قالوا كلمة. وعظمة الحضارة الأوروبية أنها أعطت الكلمة حريتها، وبخاصةٍ تلك الكلمات الحرة التي تقف مع الإنسان ونهضته لا مع إهانته وطعن كرامته!