«القاعدة» تعتذر! نعم تعتذر عن المجزرة! وهي بفعلها هذا إنما تكون هي الخصم والحكم. تقتل المرضى والأطباء، الصغار والكبار، ثم تعرض التعويضات للديات. وهذا الفعل تجاوزت به «القاعدة» حتى تنظيمات المافيا. فمن خلال تسجيل صوتي فإن القائد العسكري لفـرع تنظيم «القاعدة» في اليمن، قاسم الريمي، عرض دفع الدية لذوي الضحايا الذين قتلهم زملاؤه بالتنظيم، في مستشفى مجمع وزارة الدفاع في صنعاء. هم الذين حكموا بالقتل، وهم الذين نفذوه، وهم الذين رأوا أن دفع الدية يكفي لتعويض ذلك الهجوم الدامي، وهم بنفس الوقت من سيحدد قيمة الدية. والأدهى أن بعضاً ممن يسمون بالناشطين أوالحقوقيين قاموا بتبرئة تنظيم «القاعدة»، وقسموا القاعديين إلى: معتدل، ومتطرف! والسؤال: كيف يمكن أن يكون هنا إرهاب معتدل! قائد «القاعدة» العسكري قاسم الريمي، قال في أربع دقائق إن التنظيم اعترف بالخطأ والذنب، وردد: «إننا نقدم اعتذارنا وتعازينا لذوي الضحايا، القاعدة ستتحمل كامل المسؤولية عما حدث في المستشفى من دفع الديات والتعويضات والعلاج وغير ذلك، والخطأ جاء من أحد المهاجمين الذي لم يلتزم بالتوجيهات»، ثم دعا للقاتل بالرحمة! ومن عجب أن الزميل جمال خاشقجي عنون مقالا له بـ «قاعدة تعتدل، وأخرى تشطح بعيداً». طبعاً «القاعدة» لا تعتدل، لكن «القاعدي» الذي يتضح له الحق ويخرج من التنظيم يوصف بالفرد المعتدل، ولا يوصف التنظيم بالاعتدال، وهذا خطأ منهجي. «القاعدة» لا تعتدل، من يعتدل الفرد الذي يناصح أو يناقش ثم يتجه نحو الاعتدال والسلام الاجتماعي والفهم الإنساني للدين. واصل خاشقجي القول: («القاعدة» انبثقت كحركة غاضبة وسط العالم السني وفقهه وحركاته ومشاريع الإسلام السياسي، لكن لا يعني وجود هؤلاء في مسارها الفكري تحمّلهم وزرها، وإن وجب عليهم مراجعة فكرهم وتنقيته، مما ساهم في صناعة «القاعدة»، لكنّ حال الاحتقان والتوجس وتبادل الاتهام -وللأسف- تجعل مهمة كهذه مستحيلة هذه الأيام. «القاعدة» في أصلها حركة غضب)! هذا التحليل يتناول «القاعدة» على أنها شبيهة بالحركات الغاضبة في التاريخ الإسلامي، متجاوزاً موضوع راديكالية التنظيم، واتجاهه نحو العنف والقتل، وأن التنظيم ليس لديه بعد استراتيجي مدني أو سياسي، بل هو تنظيم هدف كوادره الموت، وأما في السياسة فإن لديهم الأهداف العامة مثل الحرب على الطواغيت أو هزيمة الصليبيين، لكن التحليل الذي طرحه خاشقجي يصدق على حركات نضالية غاضبة لكن غير عنيفة، وهذا ما لا ينطبق على تنظيم «القاعدة» الغاضب بعنف والذي لا يجيد أصلا لغة السياسة أو طبائع الاستراتيجيات أو أسس العلاقات الدولية والمناوشات والمفاوضات. إنهم أشخاص يفهمون فن الدمار، لكنهم لا يعرفون أصول البناء، يتقنون الموت، ولا يحسنون الحياة. خاشقجي كان ممن راهنوا على أن ميدان التحرير، وما شابهه، سيسقط «القاعدة»، واليوم نقول إن كل هذه العودة القوية لتنظيم «القاعدة» إنما تأتي في سياق انفجار ما عرف بـ«الربيع العربي»، والذي يحدث في اليمن، من قتل الممرضات واستهداف المستشفيات هو تطور طبيعي للتنظيم الإرهابي، والمحللون يعتبرون أن أي صعود للإسلام السياسي يصحبه انتعاش لـ«القاعدة» وتاريخ «الإخوان» و«القاعدة» يثبت أن التصاعد متشارك على مر تاريخ التنظيم والجماعة. «القاعدة» الآن هي الخصم والحكم، وهي تنفذ بسرعة في البلدان التي تصاعد فيها الإسلام السياسي. الدول العربية أمام اختبار من أجل القيام بمعركة أخرى غير معارك 2003 لضرب الإرهاب وتجفيف منابعه في التعليم وأماكن الوعظ، فالإرهاب لن يموت في ميادين التحرير، بل يموت في ميادين الفكر والتحليل. إن ما حدث في ميدان التحرير، كان تأكيداً لمرض الجسد، وهو ما جعل الفيروسات، تسارع للنفاذ إليه، والمعركة الحقيقية ألا تستوطن الفيروسات الجسد!
جميع الحقوق محفوظة 2019