الصورة مرتبكة في تونس. لا ندري كيف تسير الأمور. حوادث التعذيب التي تطرح هذه الأيام على أنها منتشرة في السجون التونسية تثير الاستغراب. لا أدري هل الثورة تريد أن تقتص من الأعداء، وربما حتى من الأبناء. بدأت وهي “ثورة الياسمين” ونتمنى أن تبقى كذلك، ثورة نباتية، خالية من سياطٍ تنهش اللحوم البشرية. الأخبار الآتية من تونس حول استمرار التعذيب تحزننا، وتهدد مكتسبات الثورة التونسية.
المقرر الأممي الخاص بشأن التعذيب والمعاملة القاسية وغير الإنسانية والمعاملة المهينة خوان منديز زار تونس لمدة أسبوع، وخلص إلى أن: “التعذيب ما زال يطبق في تونس بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي قبل أربعة أشهر، الحالات لا تزال تحدث، وينبغي ألا تسمح الحكومة بذلك”، أجمل ما ورد في تصريحاته حول التعذيب أنه ومع إثباته لوجود تعذيبٍ في تونس، نفى أن يكون التعذيب منظّماً ومنهجياً!
يقول منديز: “إن تقارير أفادت بأن نحو 66 شخصا ـ ثلثهم من القصر ـ احتجزوا بعد احتجاجات في مايو/أيار الجاري لمدة 12 ساعة دون الاتصال بمحاميهم أو ذويهم، كما أجبروا على الركوع والبقاء في أوضاع غير مريحة، هناك أدلة تشير إلى أن أشخاصا تعرضوا للركل والضرب”!
قلتُ: لقد استبشرنا بالثورة التونسية بوصفها طريقاً نحو الحرية، لا دخولاً في ذلّ وعنف وتعذيبٍ جديد، أتمنى من التونسيين أن يهجروا العهد القديم، وأن يتركوا حتى “الانتقام الغريزي” الذي لا يقدم للواقع التونسي وللمستقبل شيئاً، إن فرحنا بثورة تونس كان أكبر من أن يوصف، لكن هذه الأخبار التي ترد تباعاً حول “استمرار التعذيب” تجعلنا نتساءل عن الفرق الذي يمكن أن يثبته التوانسة بين زمن بن علي وزمن ما بعد ثورة الياسمين.
ماذا لو صحت أيضاً رواية الناشطة الحقوقية التونسية راضية نصراوي التي قالت: “إن أساليب التعذيب ما زالت تمارس في تونس بعد سقوط النظام السابق، لقد تلقيت شهادات من سجناء تعرضوا للتعذيب بعد الثورة، بل تعرض بعضهم للاغتصاب الجنسي، أطفالا في الرابعة عشرة والخامسة عشرة تعرضوا أيضا للتعذيب إثر مشاركتهم في مظاهرات سلمية بعد سقوط النظام”؟!
قال أبو عبدالله غفر الله له: إذا كان شعار الثورة التونسية “إذا الشعب يوماً أراد الحياة” فلماذا الذهاب نحو وسائل الموت.. لتكن تونس موئلاً للحياة ومنارةً للتعايش، وليفتح التونسيون صفحاتٍ جديدة، لا صفحةً جديدةً واحدة! قلت: ورفض التعذيب في تونس، موقف لا يقتصر عليها، بل هو موقف من مبدئي من التعذيب المنافي للأديان وحقوق الإنسان، في أي قطر كان!.