أكثر المشكلات ـ إن لم تكن كلها ـ تنشأ من سوء الفهم بين المتخاصمين!
ينشأ الكثير من المعارك الثقافية التي تنزل أحياناً إلى قاع التلافظ والتنابز بين الطرفين.. كلام طويل عن الثقافة لكنه لا يمت إلى حقيقة السلوك الثقافي بصلة.. معارك ثقافية تصل إلى حدّ التفاضح ، وقد قرأنا هذا في معارك كثيرة بين مثقفين سعوديين ، خاصةً في فترة الثمانينات، يوم كانت المعارك لاهبة، مع أن الثقافة هي مستوى أخلاقي وسلوكي بالأساس، تفترض أن يكون المثقف قدوةً للآخرين. ومن يقرأ كتاب: “نقد المثقف” للكاتب اللبناني “علي حرب”، يقف على ممارسات عجيبة من قبل المثقفين، على المستوى الفكري والذاتي والسلوكي والأخلاقي، كأن المثقف أصبح يستخدم الثقافة للتعالي على الأخلاق والآداب.
لفت نظري أول من أمس بيان أصدرتْه الأديبة “منيرة الإزيمع”؛ على خلفية خطأ نسبت على إثره بعض قصصها إلى كاتبةٍ أخرى هي “زهراء موسى”. اللافت والجميل في البيان ـ بغضّ النظر عن ملابسات الخطأ ـ هو الأسلوب الذي قرأته في بيان الكاتبة، إذ وصفت في بيانها الكاتبة التي نُسبت إليها قصصها هي بـ”الصديقة، الكاتبة”، معتبرة أن “الصديقة لا علاقة لها بهذا الخطأ، وهذا الخطأ مثلما هو غبن لحقوقي المعنوية والأدبية ويعتبر إساءة لي هو أيضا يسيء للأخت الكاتبة زهراء موسى”. بل قالت إن القائمين على مشروع “كتاب في جريدة” من الرقي بحيث لا يمكن تصور أنهم تعمدوا خطأ كهذا.
قلتُ: هذا الأسلوب في النفي افتقدناه كثيراً ، خاصةً مع ازدياد التوتر ونمو التصعيد. أصبح الناس يصنعون من الحبة قبة. لو أن أحداً غير الأديبة منيرة ارتكب بحقّه الخطأ من الذين لا يمتلكون الحكمة والحصافة لأجلب بخيله ورجله، وأنتج مجموعة من التحليلات، كأن تكون الأخطاء هذه مؤامرة دولية ضد الأدب السعودي، أو أن الخطأ الفاحش تآمرٌ قضي بليل من قبل تيارٍ بأكمله. الكثير من أوهام الناس لا تتجاوز كونها خيالات حاكها الذهن من بنيات خيوطه، لهذا سمعنا كثيراً عن أدباء ماتوا وهم يظنّون أن مؤامرةً تحاك ضدهم. يكفي أن أستشهد بالشاعر عبد الوهاب البياتي، هذا الشاعر الجميل الذي كان يظنّ أن الناس كلهم يقفون ضده، وأن الحكومات العربية لا همّ لها في القمم المنعقدة سوى دراسة قصائد ورموز ودلالات شعره سلبياً، رحمه الله!
آن الأوان أن نخفف من حدتنا، أن ننظر إلى الناس بعينٍ أوسع، وأن تحملهم ظنوننا الحسنة إن لم تحملهم قلوبنا.
جميع الحقوق محفوظة 2019