لا مجال لدي اليوم إلا أن أعتقد اعتقاداً راسخاً بنظرية المؤامرة، فيما سأورده عليكم في هذا المقال! وإذا كنتُ نقدتُ نظرية المؤامرة في مقالات سابقة، فإنني أنسحب وأنا بكامل قواي العقلية عن تنزيل ما كتبته سابقاً على قصة اليوم التي تنضح بالمأساة!
قولوا لي بربكم ما معنى أن تورد مجلة “فوربز” إحصائياتها السنوية لأثرياء العالم في ذات الأسبوع الذي لم يبق فيه ابن أمه في أسواق الأسهم في الخليج لم يأكل ضربا على رأسه، امتداداً لضرب محفظته وأسهمه!
لا… وأزيدكم من الشعر بيتين و”شقة بثلاثة غرف”: إمعاناً في المؤامرة ينشرون إحصائياتهم بعد أن تناقلت وكالات الأنباء صوراً لأناس من كل الأعمار تتلخص المأساة في وجوههم الكالحة ويعبر اللون الأحمر عن دمائهم التي انسكبت من انغراس الأسهم المنخفضة في جيوبهم المهترئة، ليقول لنا هؤلاء “الفوربزيون” المتآمرون هم وشلة أغنيائهم، إن العالم أصبح الآن يعج بعدد قياسي لذوي الثراء الفاحش إذ بلغ عددهم 793 مليارديراً مرتفعاً 15 في المئة عن العام الماضي مع ارتفاع عددهم في الهند وروسيا والبرازيل والشرق الأوسط وكذلك زيادة عدد النساء في القائمة!
وكأن المجلة تتحدث عن أسهم في جزر “الواق واق” تلك التي اعتبرت أن ارتفاعها هي والبترول والسلع الأولية سبب في الغنى الفاحش، عياذاً بالله من الفُحش!
قولوا لي بربكم ما معنى أن تتبجح المجلة بتضخم صافي ثروات أغنى أغنياء العالم إلى 2.6 تريليون دولار مع انضمام 114 شخصاً إلى النادي الخاص بينهم عشر نساء ليرتفع إجمالي عددهن إلى 78 امرأة؟!
لا أجد تفسيراً إلا إغاظتي أنا والكادحين الذين أراد الزمن الأغبر أن يبتسم لهم بشيء من الحال المتيسر، فحولت السوق المالية الابتسامة الأسهمية إلى نيوب ليث كاسر تُذّكرنا قول الشاعر:
إذا رأيت نيوب (السوق) بارزة
فلا تظنن أن (المؤشر) يبتسم!
ماذا يعني أن يزداد أثرياء العالم، وأن تخبرنا (فوربز) بهم إلا ممارسة سافرة عارية لإغاظتنا نحن الذين نعيش على رواتبنا كل شهر، وعندما نستفزع ببطاقات الصراف الإلكترونية مع نهاية كل شهر، تُظهر أجهزة الصراف جيوباً فارغة، وتدلع لنا ألسنتها، قائلة: زيادة الأغنياء في العالم بعيدة عن عينك. ابحث لك عن “أهبل” يمنحك سلفة، أو توجه إلى أقرب بنك يمنحك قرضاً تساهم من خلال تسديده بزيادة ثراء أناس لا علاقة لك بهم!
وعلى ذكر الرواتب، أذكر أن صديقاً كان يخطط أن ينضم إلى قائمة “فوربز” من خلال الاستثمار في راتبه الكحيان! فابتسم له المؤشر مرة على قاعدة الليث السابقة، فكان يحدثني عن راتبه الشهري وتفكيره أن يتبرع به لجمعية خيرية، لأن أرباح السوق تغنيه عنه عشرات المرات، وبعد أن كشّر المؤشر اللعين عن أنيابه وشهر أظافره في وجه صاحبنا الغلبان (بالمناسبة لماذا لا يفعل المؤشر ذلك أبداً مع قائمة فوربز؟!) حدثني قبل يومين عن أهمية الراتب في ضمان بقاء الأسرة، وأشاد كثيراً بخصلة التردد التي تلازمه، والتي جعلته لا يقدم على التبرع براتبه لجمعية خيرية، وإلا لاضطر أن يقوم بعملية إرهابية عند بوابة هذه الجمعية. الأمير الوليد بن طلال جاء في المركز الثامن من القائمة كأغنى عربي، بثروة قدرها 20 مليار دولار. وأحسبُ أن من مظاهر التآمر علي أني خلال توقيعي قبل أسبوعين كتابي “ذكريات سمين سابق” في معرض الرياض الدولي للكتاب جاءني شاب عشريني بكتاب ريز خان “الوليد الملياردير، رجل الأعمال، الأمير” لأوقعه، وأحمد ربي أني رفضت أن أوقع كتاباً ليس لي، وإلا لربما اقتادتني الشرطة إلى أقرب مخفر بتهمة التزوير بالإضافة إلى الإفلاس، وإن سألتم التزوير في ماذا؟ فسأجيب: في قائمة “فوربز المؤامراتية”!
جميع الحقوق محفوظة 2019