بمرض نيلسون مانديلا ومعاناته الحالية في المستشفى أجدني مضطراً للحديث عن تاريخ هذا المناضل العظيم. ولن يجد القارئ أفضل من كتابه: “رحلتي الطويلة من أجل الحرية”، وهو الكتاب الذي لا يمل!
الكثيرون قرأوا هذا الكتاب أكثر من مرة، وذرفت دموعهم وهم يقرأون تفاصيل المعاناة والنضال الذي عاشه وكابده حينها، أما حينما تحدث عن المعاناة العاطفية وقصص الحب التي مر بها فقد كانت الصفحات مؤثرة للغاية، بعض مواضع الكتاب تكتب منهجاً جديداً للمقاومة، فهو من المعجبين بالمناضل الهندي: “المهاتما غاندي” والذي كان من أبرز المناضلين السلميين في التاريخ البشري، مانديلا قاد مقاومةً مسلحة “مضطراً” حسب قوله.
تداول الناس أقواله الشهيرة، عن الحرية، والتغيير، عن النضال والسلم، عن الحرب، من بين تلك الأقوال: “إننا نقتل أنفسنا عندما نضيّق خياراتنا في الحياة ـ العظمة في هذه الحياة ليست في التعثر، ولكن في القيام بعد كل مرة نتعثر فيها ـ لا يوجد شيء مثل العودة إلى المكان الذي يبقى بدون تغيير لتجد فيه ما عدلته بنفسك ـ إن الإنسان الحر كلما صعد جبلاً عظيماً وجد من ورائه جبالاً أخرى يصعدها ـ الحرية لا يمكن أن تعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حراً أو لا يكون حراً ـ الجبناء يموتون مرات عديدة قبل موتهم، والشجاع لا يذوق الموت إلا مرة واحدة”.
لديه مواقف نبيلة من الأديان كلها، فهو يحب المسلمين، واستطاع أن يحرر بنضاله ضد “العنصرية” ليس السود فقط، وإنما حرر البيض أيضاً، حررهم من الشعور باستعباد الناس، وحرر السود من الشعور بالعبودية، إنه النضال العظيم ضد عنصرية ضربت جنوب أفريقيا وجعلتها أسيرة رؤية ضيقة وتقسيم عنصري عنيف للمناصب، وللأماكن الترفيهية والمقاهي، ووسائل النقل.
كانت رؤية مانديلا في المقاومة سلمية، كان يدعو لمقاومة غير مسلحة ضد سياسات التمييز العنصري، لكن وبعد إطلاق النار على متظاهرين عزل في عام 1960، وإقرار قوانين تحظر الجماعات المضادة للعنصرية، قرر مانديلا وزعماء المجلس الأفريقي القومي فتح باب المقاومة المسلحة.
بالرجوع إلى كتاب “رحلتي الطويلة من أجل الحرية” يقرأ محب مانديلا في رحلة كبيرة فيها تجارب وقصص ودروس وعبر يستفيد منها أي إنسان، المذكرات هذه التي كتبها يقف القارئ مذهولاً من كلمة صغيرة يقولها جمال تلك الكلمة أنها جاءت ثمرة معاناة ونضال وكد.
هذه بعض ملامح هذا المناضل الأفريقي الذي يعاني الآن من التعب والإرهاق وكبر السن أضعها بين يدي الجيل الحالي ليقرأ سير عظماء البشر مهما كان لونهم ودينهم وعرقهم.