في صالونٍ جميل ضخم، وضع صاحبه في زاويةٍ منه مكتبةً مرصوفةً بعناية، مليئة بالكتب االفاخرة المجلدة، ما بين لونٍ أزرق، وآخر أسود، واللون الواضح من بين الكتب هو اللون “البني الداكن”. سأل أحد من في المجلس عن نوعية تلك الكتب؟! راح صاحب الصالون يشرح كيف اشتراها، وكيف جُلّدت، وكيف أن كل من دخل انبهر بشكلها وتجليدها. أعاد صاحبنا السؤال مرةً أخرى عن المضمون الذي في الكتب؟! لم يبال صاحب البيت، ولم يتردد بأن وصفها بأنها من الديكورات الجميلة التي تضيف لصالون البيت هيبةً. علاقة صاحب الصالون هذا بالكتاب، مثل علاقة بعض الناس بالكتاب.
كانوا يقولون لا تدخل كتاباً في بيتك إلا وقد قرأت الفهرس والمقدمة قبل أن تصنفه بين كتبك. وهي فكرة سديدة وجميلة. حتى بعض الصحافيين حين يجرون لقاءً مع أحد الضيوف ينسون قراءة كتب الضيف، أو التحضير منها. كل هذه المظاهر تعكس تراجع مستوى القراءة لدى الإنسان العربي. الكتاب يذكّر البعض بالمناهج الدراسية. ينفرون منه، بل ويهربون من أي كتاب كهربهم من المجذومين. لكن ماذا عن الفرد الياباني؟ وهل نحن نقارب ولو جزءاً من اهتمام الياباني بالقراءة؟!
جورج طرابيشي له كلام رائع يقارن بين التعليم الياباني والتعليم العربي، يقول:”على سبيل المقارنة فحسب، فلنتذكر أن إحصائيات اليونسكو لنهاية السبعينات تشير إلى أن الفرد الياباني كان يقرأ 144 ضعف مايقرؤه الفرد العربي. ولا شك أن هذا الفارق زاد تفاقماً مع تدهور مستوى التعليم في العالم العربي في العشرين سنةً الأخيرة”. ويشير إلى أن إحصائيات اليونسكو تتحدث عن أن العالم العربي:”ثلث ذكوره، ونصف إناثه ممن هم في سن التعليم، لا يأخذون طريقهم إلى المدرسة الابتدائية أبداً”.
قلتُ: واليابان حين ضربت بقنبلتين ذريتين استيقظت، وأججت كل نيران طاقاتها، وأحيت مشاريعها، واستنفرت منذ ذلك الحين كل مجتمعها، لتكون بعد خمسين سنة فقط من تدمير بنيتها التحتية ومقدراتها ضمن أقوى دول العالم، ولم تستنكف من منافسة الغربيين (مع أن أميركا هي التي ضربتها بالقنبلة الذرية)، بل إنها اعتمدت على الرأسمالية في تنمية اقتصادها وصناعة نهضتها. وهاهي اليوم تواجه كارثة إنسانية فتتعامل معها بهدوء وروية، وتخطيط، وترتيب، مع فداحة الخطب، وضخامة الخسائر، البشرية، والنفسية، قبل المادية.
أما نحن، فلا تسل، إلى اليوم صراعاتنا بدأت منذ زمن “الفتنة” بين الصحابة، وإلى اليوم والناس يتناقشون على ما حدث منذ أكثر من 1400 سنة، متخندقين، والأحقاد تتغذى. ها هم الألمان مع الفرنسيين طمسوا كل تاريخ الحقد والعداء في حربٍ عالمية شعواء، ونحن نتفاصل على يوم عاشوراء قبل نحو خمسة عشرة قرناً، فقط! فيما لم يحتج القوم إلى أكثر من نصف قرن لتكون علاقتهم متطورةً ونامية. هذه هي الأمم التي تتقدم، تلك التي تستمد من التاريخ القوة والإيجابية، لكنها لا تسكن في أحداث التاريخ!