الكلمات الضافية التي ألقاها الوفد البرلماني والشعبي المصري، أمام الملك عبدالله، وإن كانت تغضب من لا يحبون السعودية من بعض المصريين، إلا أنها الانعكاس الشعبي الطبيعي، لمشاعر معظم المصريين الطيبين، الذين نحبهم امتثالا لوصية النبي الكريم لنا بأن نستوصي بهم خيرا.
العلاقات السعودية المصرية المتينة، قدر لا اختيار. وإغلاق السفارة والقنصليات جاء لحماية هذه العلاقة.
بالتأكيد أن مصر ذات الثمانين مليون نسمة لا يعبر عنها تيار واحد، ولا فضاء واحد، بل هي متنوعة بأشكالٍ وألوانٍ من الرؤى والاتجاهات. وكلنا تربطنا أنبل العلاقات بمصريين استثنائيين. لكن المشكلة ليست في المجتمع المصري نفسه، بل في الفئات الأعلى صوتاً. بطبيعة الحال هناك أناس يكرهون السعوديين، وأناس يحبونهم، كأي مجتمعٍ في العالم، فنحن أدرى الناس بعيوبنا، كما أن للمصريين عيوبهم وأمراضهم، وكذلك السعوديون، ونقاشنا ليس على الجنسية أو الانتماء أو بطاقات الهوية، بل على التعاطي الإعلامي.
في مصر بعد الثورة، كان بعض الإعلاميين قد وقعوا في فخاخ “قوائم العار”، وتلك الوقعة جعلتهم يذرفون الدموع بعد سقوط مبارك، ويعتذرون للشعب عن عدم وقوفهم معه في الثورة. كذلك فعل بعض الفنانين والفنانات. إحدى الفنانات اللواتي اشتهرن بالمشاهد الساخنة صرحت بعد الثورة بأنها منذ البداية كانت “إخوانية”، لكنها لم تستطع التصريح بذلك بسبب بطش النظام السابق. وفنانة أخرى اشتهرت كذلك بمشاهد ساخنة تقول إنها “تتمنى الزواج من سلفي”، وهكذا صارت هناك حالة من التراجعات البراجماتية الساذجة.
والشعب المصري-كما يصفه الفيلسوف المصري عبدالرحمن بدوي- شعب عاطفي، سريع التصديق في كثيرٍ من الأحايين، وسريع النسيان. الأسماء الإعلامية التي وقفت ضد الثورة أو ادعت أنها كانت منذ البداية مع الثورة لكن هناك تهديدات تلقوها، أرادوا أي قشةٍ ينقذون بها أنفسهم، ولم يجدوا إلا السعودية مشجباً لكل أمراضهم وأدوائهم وشتائمهم. نسبة ليست بالقليلة من الإعلاميين الذين يشتمون السعودية بنوا أسماءهم على قنوات لمستثمرين سعوديين، وبعضهم استخدم هذه القنوات للاقتصاص من السعودية والمجتمع السعودي. هذه هي المشكلة.
قال أبو عبدالله غفر الله له: مشكلة أصحاب الأصوات العالية أنهم هم الذين جيشوا الناس في الشوارع بمصر، وذلك بحثاً عن مصالح شخصية، لقد ركبوا موجة الردح ضد السعودية لتبييض سواد مواقفهم إبان الثورة، هذا كل ما في الأمر، وصار هناك تنافس على الصراخ، أيهم الأعلى صوتاً، هذه مشكلة أساسية من مشاكل الإعلام العربي، لن تجدها لدى الدول التي تفهم معنى الإعلام جيداً.