“ما حدث في مصر ثورة بيضاء تمثل تطورا في تاريخ مصر”. بهذه الكلمات نطق عمرو موسى أثناء ذهاب الناس زرافاتٍ ووحداناً إلى طرقات مصر المتشعبة للتعبير عن الفرح وإطلاق صيحات النصر. وحسناً اختار سلمان العودة حينما جعل من عنوان مقاله: “ادخلوا مصر آمنين”.
اليوم استطاع الشعب أن يختار أن يبدئ ويعيد متمسكاً بحقه في التظاهر من جهةٍ وبحقه في تغيير الرئيس من جهة، فزمن أن يتحكم الرئيس بالانتخابات والأصوات وأن يظل إلى أبد الآبدين على كرسية قد ولى، ومن طرائف تعريفات “الديموقراطية” التي سمعتُها تعريف الزعيم الليبي معمر القذافي حينما قال إن “الديموقراطية صارت ديموكراسية” ويقصد ديمومة الرؤساء على الكرسي مدى الحياة.
اليومان الحاليان هما من أيام مصر التاريخية، حتى باراك أوباما في خطابه لم يتطرق إلى ما بعد رحيل مبارك بالتفصيل بل اكتفى بالفرحة والتبجيل، وتحدث عن التظاهر السلمي الدرس الذي قدمه أبناء مصر للعرب والعالم، حقّ للمصريين أن يفرحوا بهذا النصر والتمكين، أن أزاح عن كاهلهم ركاماً من الكبت، لا بالقتل والتشريد وحرب الشوارع بل بالصوت الحر والإرادة الحقيقية، الإصرار على أخذ الحق سلمياً لا بالعنف أو القتل. وحينما كتبت مقالي عن “نيلسون مانديلا، محرر السود والبيض” أتيت على اللاعنف الذي حاول مانديلا أن يختطه لولا الظروف التي عصفت بكوادر حركته آنذاك. لكن اليوم في ثورة مصر لم ينجح أي مخطط حاول أن يستفز الجماهير أن يصنع حرباً أو مواجهات دموية، بل الذين قتلوا أخذوا غيلةً وغدراً وقهراً.
لا تزال مصر العظيمة رئة العرب، وقلبها النابض، ومنذ أن عرفتُها وزرتها لأول مرة في صغري وأنا أشعر أن هذه الأرض بنيلها وفنها وموسيقاها وثقافتها والأدب الذي نشرته وعلمته الناس أشعر أنها رئة العرب، الرئة التي يتنفس بها العرب. هذه الأيام جعلت من مصر مدرسة في الحرية، احتاجت مصر إلى أن ينمو الأطفال الذين ولدوا منذ أن تسلم مبارك السلطة وصارت أعمارهم على مشارف الثلاثين وحينما اشتدت سواعدهم قالوا كلمتهم، الجيل الذي نشأ في عصر مبارك هو الذي أقصى مبارك في ميدان التحرير!
قد يذهب الله بقومٍ ويأتي بآخرين، لكن مصر باقية برجالها وخبرائها، فهي لا تعدم ساسةً حقيقيين يستطيعون السير بمصر إلى بر الازدهار والأمان، حتى يدخل الناس مصر إن شاء الله آمنين!