من أكثر المشاهد إمتاعاً أن تشاهد العربي وهو يحلف على أخيه العربي طالباً منه أن لا يدفع الفاتورة، تارةً يحلف بالطلاق وتاراتٍ أخرى يدعو على نفسه، وتشهد كاشيرات الحساب في المطاعم “معارك الكرم العربي”!
أيمان مغلّظة يميناً وشمالاً، عراك على الفاتورة، صراع دولي وعالمي من أجل سحب الفاتورة من يد الخصم
ـ الضيف، حتى بات من تقنيات الجراسين أن يضع الفاتورة وينظم انسحاباً تكتيكياً عاجلاً حتى لا يقع في موضع العراك. بعضهم يطلب الفاتورة وفي قرارة نفسه يتمنى أن يأتي من يأخذها منه بقوة ليستريح من عبء الدفع. ويبدو لي أن في هذه المشاهد مبالغة وفجاجة، فنحن لا نريد أن نكون فرديين أكثر من اللازم بحيث تذهب حميمية الاستضافة والدعوة، بل نريد أن يكون موضوع العزيمة بيّنا واضحا مثلنا مثل بقية خلق الله. أكبر سبب لمعارك الكرم المنتشرة في ديار بني يعرب أن الطرفين لا يدري أحدهما من هو الضيف ومن هو المضيف، يذهبون جميعاً من دون أن يعرفوا مناسبة الجلسة ولا طبيعتها ولا من هو الداعي أو المدعو. لهذا تبدأ معارك داحس والغبراء ساعة الحساب وترتفع الغتر وتجذب الأبواك ويخوض الناس الذين كانوا للتو أصدقاء حميمين في عراك يجعل بقية الزبائن في الغرب تلتفت لتحيط بهذا الشجار سبباً، ولسان حالهم يقول: الحمدلله على العقل! ارتبط لدينا الكرم بالضيافة أثناء الطعام. فلو اشتريت لأحدهم هدية ثمينة دون أن يكون فيها شيء من الطعام وربما بهيمة الأنعام والولائم لما عدك كريماً، ولعلها شيمة من شيم العرب الأولى. فقد بدأت المعارك العربية الأولى من الكرم والحرب.
قال أبو عبدالله غفر الله له: ما أكثر الأشمغة التي شاهدتها وهي تتطاير أمامي من مكانٍ إلى مكان، وما أكثر الأبواك والمحافظ الجلدية التي تمزقت. أما الأيمان المغلظة والتطليق فحدث عنه ولا حرج إذا حضر الحساب، والأمر في ممارسته تلك تخلف أكثر من كونه قيمة وشيمة، فيا معاشر العرب اربأوا بأنفسكم وارفعوا رايات الاستسلام واتركوا الفاتورة لمن جذبها أولاً أو لمن دعاكم عنده ضيوفاً، أعان الله الجراسين على سيئ عاداتنا وما يصيبهم إثرها من ويلات وعذابات!.