من اعتقد أن بإمكانه أن يبرمج الناس على ما يشتهي ويتمنى، لجهة تصييرهم على ما يرجو، فهو واهم وهماً عظيماً، يضاهي وهم صدّام حسين، عندما اعتقد ذات يوم ان دخول الكويت في صيف 1990 سيساهم في تغيير خارطة المنطقة، لصالح رغبته الشخصية، وأطماعه التوسعية.
الناس ليسوا شاطئاً رملياً تغشاه امواج هادئة، ترطب رمله الحار، فتحيل أيدي الصغار الرمل بيوتاً وقصوراً لا يلبث الموج أن يذروها فيذرها قاعاً صفصفاً…
ثمة أناس يقضون حياتهم وهم يعتبون على هذا ويعاتبون ذاك، و«يشرهون» على هؤلاء، ويرون أن أولئك قصروا في جانبهم…
لا أحد لا يخطئ، ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر كما قال المسيح عليه السلام، وأكثر الناس إيجابية هم اولئك الذين يستثمرون ايجابيات الآخرين، ويتحاشون آثار سلبياتهم، ويبتعدون عن مواضع اللغط، صيانة لأنفسهم من مواطن الفتن.
قال لي صديق قبل فترة إنه أصيب بمرض في العام 1999 وكان حينها في الاربعينيات من العمر، فكان المرض فاصلاً غيّر حياته وحول مسارها. كان مرضه عضالاً احتمالات النجاة فيه لا تتجاوز ال15 في المئة وفقاً لعلماء الطب، واللحظات الفاصلة بين الموت والحياة، هي أكثر اللحظات التي تعرض الحياة في شريط بانورامي لا يعرف للتزييف طريقاً، ولا للكذب مسلكاً…
أضاف صاحبي: طفقت أتأمل مسيرة حياتي، وقد أوشك الرحيل على الأزوف، فلم يقلقني ذات الرحيل، بقدر ما أقلقتني معارك خضتها بداع وبلا داع، فتمنيت أن أقابل كل من تعاركت معه لأستسمحه عن صفاقتي في افتعال معارك بلا راية!
نظرت إليه وانا أطلب المزيد، فزادني: يا صديقي الحياة أقصر من أن نقضيها في معارك هامشية!
كان الرجل مقاتلاً لا يشق له غبار، ومعاركه ملحمية يعرفها القاصي والداني، وهذا زاد من وقع حديثه في نفسي.
ثمة نوع من المعارك، هو الغالب على المعارك التي نخوضها، لا منتصر فيه. ولو اعتبرت نفسك فيه منتصراً فإن الإصابات التي ستخلفها المعركة، تكفي للكف عنها.
كم من المعارك التي نخوضها في حياتنا بلا راية؟!
كفانا الله شر الحروب ووقانا شرور المعارك وآلام الإصابات، الحسي منها والمعنوي.