عظمة المجتمع السعودي في جدله. هذا السجال الطويل والمستمر أعتبره من أصحّ السجالات العربية. لدينا تيارات تتناقش أو حتى تتصارع، ولدينا مناسبات تنقلب إلى مواضع للنزاع، من الجنادرية إلى معرض الكتاب. كل تلك الأحداث رغم كل السلبية التي تحملها غير أنني أثق بقيمتها الاجتماعية على المدى البعيد. الأمم التي لا تعيش سخونةً في واقعها الفكري أو الاجتماعي هي المجتمعات الميتة. معرض الكتاب مثلاً يأتي كل سنة وسط ضجيج وصراخ وعويل. هناك من يرفض المعرض، ويرى فيه مجالاً لنشر الأفكار المنحرفة. وهذه الفئة بإمكانها أن تعزل نفسها عن المعرض قليلاً، وهناك من يرى قيمة المعرض وفائدته.
المقاطعة فعل مدني لأنها لا تضم أي سلوكيات متعدية ضارة، بل يجلس الإنسان في بيته رافضاً السوق، أو الجنادرية، أو معرض الكتاب، من دون أن يضطر إلى رفع اليد والصوت باتجاه المختلفين معه. بل أن يتعاطى مع الناس بالحوار لا بالنصيحة التي تبيّن أن الناصح على حق والمنصوح على خطأ، بل بالحوار الندّي، حينها يكون الحوار مثمراً ومنتجاً. المقاطعة لا بأس بها لمن لا يحب المعرض، أو لمن يستوحش من الكتاب، أو لمن يخاف من الأفكار، لكن أن تضرب وتصرخ على المارة والنساء والرجال فهذا فعل فيه غرور وتكبر.
هذا ما أتفق فيه مع شيخ فاضل هو عادل الكلباني في مقالةٍ له حيث يرى أن: “رسالة غاضبة من أحدهم زمجر فيها، وأزبد وأرعد، واتهمني بأني أرضى بالكتب التي تسب الله تعالى، وهي موجودة في معرض الكتاب! ذلكم بسبب ما قلت ردا على سؤال وجه إليَّ خلال زيارتي لمعرض الكتاب حول الحساسية الشديدة لدى بعضهم من الكتب التي يسمونها كتب ضلال وانحراف وما أشبه ذلك، فأجبت بأن أهل الحق يجب ألا يخافوا من وجود هذه الكتب، إذ يجب قبول ما فيها من الصواب، وما كان فيها من خطأ، فيجب رده بالبينات والزبر، لا بالشغب وعالي الصوت، وانتفاخ الأوداج”!
قال أبو عبدالله غفر الله له: وهذا هو الرأي العقلاني، لأن ديننا أقوى من كل الأفكار، ولا يمكن أن نخاف عليه من ديوانٍ شعري، أو روايةٍ أدبية، أو عمل فكري. بل الدين قائم لا يهدمه أي كتابٍ أو أي معرض، لكن هذه هي “الحساسية” التي ذكرها الشيخ عادل، والتي أتمنى من الإخوة المحتسبين التخفيف منها، لأن الحجة والبرهان خير من الصراخ والعويل.