القضاء يمس حياة الناس، فهو أداة لإقامة العدل بين المتخاصمين، وهو أكثر الأجهزة حساسية وأكثرها تطلبا للدقة والتطوير الدائم. ولو أخذنا القضاء من عهد النبي عليه السلام إلى عهد عمر، لوجدنا أن القضاء تطور تبعا للمصلحة العامة، لأن القضاء هو وسيلة لإقامة العدل، والوسيلة ليست هي الغاية، فالقضاء له هدف أساسي هو إقامة العدل بين الناس، وكل تطوير يجعل القضاء أكثر دقةً في إقامة العدل فهو تطوير مرحب به، لأن القضاء ثوابته عامة ومحدودة، والباقي فيه اجتهادي، مثل المقر، فرز القضايا بين المحاكم، تأسيس محاكم رياضية، ومحاكم أحوال شخصية، تقنين القضاء، كلها أساليب لتطوير القضاء لغاية إقامة العدل. وحين يتحقق القضاء العادل في أي دولة فإن تلك الدولة يمتد عمرها، وابن تيمية يرى أن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة!
قبل أيام أصدر المجلس الأعلى للقضاء قرارا يتضمن تحويل المحكمة الجزئية للضمان والأنكحة في كل من الرياض وجدة إلى محكمتي أحوال شخصية، وتعديل اسم المحكمة الجزئية للضمان والأنكحة في كل من الرياض وجدة إلى محكمة الأحوال الشخصية وذلك تهيئة لتحويل أعمالها إلى محكمة للأحوال شخصية تنفيذا لنظام القضاء وآليته التنفيذية. احتجنا إلى عقود طويلة حتى نقتنع بالمحاكم المعنية بالأحوال الشخصية، لتطوير القضاء من كرسي في مسجد إلى مؤسسة كاملة بها كل الإمكانات والاحتياجات.
بقي على القضاء أن يضع تقنينا للأحكام، وهذا التقنين ولئن رفضه البعض، فإنه مقبول عند جمع من العلماء المعاصرين في العالم الإسلامي، وهو أقرب إلى العدالة من الاجتهادات المتفاوتة، حين يحكم على شخصين ارتكبا نفس الجرمين بعقوبتين متفاوتتين، فإن هذا بعيد عن العدل بالمعنى الحقيقي للعدل، فالتقنين للقضاء ضرورة ملحة لا يجب التأخر في اعتمادها.
قال أبو عبدالله غفر الله له: لا نريد لتطوير القضاء أن يظل مشيه بطيئا، بل أن يكون إيقاع التطوير سريعا كما هي حركة الزمن ومستجداته في كل مكان. والقضاء يتطور تبعا لتطور المجتمع ومشكلاته، فالجرائم والقضايا تنوعت وتعددت تبعا لصرعات العصر في التقنية والأدوات المستخدمة في التعبير أو في الاستثمار. والأمور التطويرية التي نطالب بها ليست من المعاصي، بل طبقت في الدول الإسلامية، فلسنا الأمة المعصومة التي تمتلك الحق المطلق الوحيد؟!