بداية سأقول إن الإساءة إلى آحاد الناس مرفوضةٌ عندي، وعند كل عاقل، فكيف إذا كان هؤلاء من المقدسين، وكيف إذا كانت الإساءة إلى جناب النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم! وفي هذا السياق فإن أزمة مثل أزمة الكاريكاتيرات التي رسمت وفيها إساءة للنبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، لا يمكن أن يقبلها منصف، ولو لم يكن مسلماً، لأنها مرفوضة، شكلاً وموضوعاً·
لكني سأقول اليوم كلاماً، قد لا يعجب الكثيرين! الإساءة موضوع مختلف تماماً، عما أراه اليوم، في التفاعل مع الكاريكاتيرات المسيئة لشخص النبي الكريم محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم! أؤكد أنني أرفض كل محاولات التقليل من الأشخاص العاديين، فكيف بالمقدسين، وكيف بمحمد صلى الله عليه وسلم؟! لكن الأوار الذي حدث في أمر المقاطعة، لا يمكن أن يقره عاقل!
ثمة ما يشي بأن التفاعل مع القصة أخذ منحى غير طبيعي، بدلالة أن نشر الكاريكاتيرات مضى عليه بضعة أشهر، والتفاعل يجيء بعد أكثر من مئة يوم على النشر، فلماذا؟! هناك من غذّى هذا التوجه فجأة، بقصد أو بدون قصد، واستجاب شارع أمتنا، للشحن والتغذية، فلم يسد في الموضوع شيء كما رأي العامة!
المعادلة بسيطة، كاريكاتيرات مسيئة، يجب أن لا نقبل نشرها، وأن نعمل على الانتصار لنبينا، ولكن وفق ضوابط علمنا أياها النبي الكريم بنفسه، في مقدمتها العدل، والقسط، وعدم تعميم الخطأ على من أذنب ومن لم يذنب!
كيف يمكن أن نقر الإساءة! ونحن قومٌ أمرنا بالقسط والعدل والإحسان؟!
أخطأت جريدة، فكم يمثلها في شعب كامل؟!
جريدة طلبت رسوم كاريكاتير من قبل مجموعة، فقبلوا وأرسلوا، وقد أساؤوا جميعاً، الجريدة والرسامون···
نحن نرفض إساءاتهم، ونرفض تبرير الإساءة بحرية التعبير، لكن الله علمنا الإنصاف، وأمرنا بأن لا يجرمن شنآن قوم على أن لا نعدل··· تقربا للتقوى، فأين نحن من هذا؟!
أفيسيء قوم قليلون فنعاقب شعباً بأكمله؟!
قاطعوا إن كنتم صادقين الجريدة، ورسامي الكاريكاتير، ولكن ما شأن شعب بأكمله؟!
لماذا نجبر شعباً كاملاً أن يدفع ثمن أخطاء القلة، ولو بررها وزير أو حكومة، فكيف وقد حاول كثيرون الاعتذار عنها، أو إبداء الأسف، بعيداً عن التقعر في استخدام المصطلحات؟!
اغضبوا على الجريدة ومن فيها، ولكن ما علاقة المزارعين، ومُلاّك الأبقار، وأصحاب مصانع منتجات الألبان مثلاً؟!
ربما كانوا مختلفين مع الجريدة أصلاً، ومع كل ما نشرته! وربما لم يكونوا كذلك، ولكن لا يجب أن نعاقبهم على جرم لم يرتكبوه!
يا قوم، تذكروا أننا نخاطب الغرب منذ الحادي عشر من سبتمبر لنقول لهم، عليكم أن تعلموا أن خطأ بعضنا لا يعبر عنا كلنا! بُحّت أصواتنا ونحن نقول إن وجود متطرفين في العالم العربي والإسلامي، لا يعني بحال أن كل عالمنا متطرف!
فكيف نعاقب الكل بجريرة البعض؟! لو قبلنا بهكذا منطق، للزم جورج دبليو بوش أن يضرب السعودية بأعتى أسلحته، بعد أحداث سبتمبر لا لشيء، إلا لكون 15 فرداً من الـ 19 الذين ضربوا برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك كانوا سعوديين، كما تعمد اختيارهم أسامة بن لادن!
ألم يقل الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)؟!
الغضب من أجل النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم محمود، لكن يجب أن نضع مشاعرنا الجياشة في الموضع الصحيح، حتى لا نفقد البوصلة، وتضيع الاتجاهات!
أسهل شيء أن نساير موجة الغضب العارمة، لكن القصة ليست أن ننساق وراء موجة الانفعالات فقط، وحُسن الظن بمقاصدنا، لا يكفي لتبرير أخطائنا···
فهلا تبينا السبيل، في غمرة الهوجة هذه؟!
جميع الحقوق محفوظة 2019