لفتت نظري صورة للاعبين من فريقين مختلفين يتصافحان بضحكةٍ واضحة مشعة بعد هزيمةٍ مني بها أحدهما، لكأن المباراة كلها لم تكن، بطبيعة الحال هذه المباراة كانت في أوروبا. ولفت نظري صورة أخرى لأحد اللاعبين وهو يهاجم الحكم، بل ربما ضربه أو كاد هذه الصورة في الملاعب السعودية للأسف. الصورة الأولى كانت في مباراة ما قبل نهائي دوري الأبطال، وهذا لا يمنعني من التنبيه إلى أن أعمال الشغب والسوء في الأخلاق موجودة عند كل الأمم، لكن “الروح الرياضية”، هي التي يمتاز بها الأوروبيون عنا. ذلك أننا نحتار في طريقة الاعتراف بفوز الآخر!
فوز الآخر ليس هزيمة لنا، بل هو معيار قوة، والهزيمة لا تكون لفريقٍ وصل إلى النهائي أو ما قبل النهائي، والاعتراف بفوز الفريق الآخر ليس عيباً ولا عاراً، بل يعبر عن الروح المنفتحة على التحديات والمخاطر، والرياضة أول ما يحفز على التحديات والمخاطر. هناك مساحات للتنافس يكون فيها أكثر من فائز، وبخاصةٍ في مجالات الأدب والثقافة والفكر، لكن في الرياضة هناك فائز واحد، مهما طالت المباراة أو أضيفت الأشواط، أو أجريت ضربات الترجيح، من هنا تأتي الرياضة بسحرها وألقها وجذبها للصغار والكبار.
ربما في الخليج أخذت الرياضة شكل القبيلة، صار من يشجع هذا الفريق يستأصل الآخر، ويعتبره من الهوامش والنكرات الذين لاحظ لهم من الاحترام والتقدير. بينما قوة التشجيع ونظافته أن يكون لكيانٍ شامل وألا يتربط بشخصٍ أو أميرٍ أو لاعب، بل بكل النادي بتفاصيله وإبداعاته وتاريخه. الأندية ليست قبائل تتناحر وتتناطح وتتعارك. لا نريد حرب داحس والغبراء في الأندية بين الجماهير أو بين اللاعبين، بل نريد الروح الرياضية التي تعبر عن سمو في الأخلاق ورفعة في الذات.
ما من هزائم في الرياضة وإنما إخفاقات، والهزيمة تستخدم إعلامياً على سبيل المجاز!
قال أبو عبدالله غفر الله له: إذا عرفنا كيف نشجع بكل أدب عرفنا كيف نعتنق هذه الفكرة أو تلك بكل أدبٍ أيضاً، الانتماء للفكرة أو للفريق أو للقبيلة لا يعني التهجم على الآخرين، ولا يعني أن نسخر منهم وأن نعتبرهم من الرعاع الذين لا خلاق لهم في الحياة الدنيا. لنكن أكثر سخاءً في عطائنا الأخلاقي ساعة المنافسة… هل هذا مستحيل؟!