لعلها من أتمّ قصائد أبي تمام في الحكمة إن لم تكن من أحكم الشعر العربي القديم، تصور التنافس المخلّ عندما يجاري شخص شخصا آخر ليس على مكارم الأخلاق بل على الأخلاق المذمومة تلك التي يردها أبوتمام إلى الدناءة في الركض نحو المخازي والغدر، أما الحر فعليه بالصبر لأن سرعان ما تتحول الشدة إلى رخاء، وأبوتمام شاعر الحماسة في العربية لا ينطق بذلك إلا عن تجربة، تلك التجربة التي جعلته يقول بأن الحياء أولى من التبجح الذي يفقد صاحبه أردية الخفر، ويجعله يعوي خلف الكرام.
وفي ما يلي نص القصيدة:
إذا جَارَيْتَ في خُلُقٍ دَنِيئاً فأنتَ ومنْ تجارِيه سواءُ
رأيتُ الحرَّ يجتنبُ المخازي ويَحْمِيهِ عنِ الغَدْرِ الوَفاءُ
وما مِنْ شِدَّة إلاَّ سَيأْتي لَها مِنْ بعدِ شِدَّتها رَخاءُ
لقد جَرَّبْتُ هذا الدَّهْرَ حتَّى أفَادَتْني التَّجَارِبُ والعَناءُ
إذا ما رأسُ أهلِ البيتِ ولى بَدا لهمُ مِنَ الناسِ الجَفاءُ
يَعِيش المَرْءُ ما استحيَى بِخَيرٍ ويبقى العودُ ما بقيَ اللحاءُ
فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ ولا الدُّنيا إذا ذَهبَ الحَياءُ
إذا لم تخشَ عاقبة الليالي ولمْ تستَحْي فافعَلْ ما تَشاءُ
لئيمُ الفعلِ من قومٍ كرامٍ لهُ مِنْ بينهمْ أبداً عُوَاءُ