(27) إِذَا اسْتَقبَلَتْ نَفْسُ الكَرِيمِ مُصَابَهَا * بِخُبْثٍ ثَنَتْ فَاسْتَدْبَرَتْهُ بِطِيبِ
مُصابها: المصائب التي تصيب النفس.
بخُبث: بجزع.
بطيب: بصبرٍ ورضا وتسليم.
والمعنى: أن الكريم إذا أصابته مصيبة فجزع لها، فإنه لا يستمر على الخطأ، بل لا بد له أن يعود ويراجع نفسه، فتقوده هذه المراجعة المتأنية الصريحة الصادقة إلى أن يستدبر الجزع بالطيب، وهو الصبر والقبول والرضا والتسليم.
ومن جميل تعبير البيت، إشارته إلى أن سلوك الكريم، الذي يُصحِّح به خطأه، ويُقَوِّم به عِوَجَه، هو سلوك فوريٌ سريعٌ.
يدل على ذلك، قوله عن نفس الكريم:
(ثنت فاستدبرته بطيب)،
(ثنت): أي انثنت عن الخبث، فصرفته بالصبر.
و(استدبرته): أي جاءت بالطيب من سرعتها، فكان الصبر في دُبُرِ الجزع.
والدُّبُرُ: نَقِيضُ القُبُل. ودُبُرُ كُلِّ شَيْءٍ: عَقِبُه ومُؤخَّرُه.
قال أبو عبدالله: وما أجمل استخدام أبي الطيب للمتناقضات هنا: (الخُبث)، و(الطِّيب)، للتعبير عن النقيضين: الجزع، والصَّبر، ثم (استقبلت)، و(استدبرت)، للمعنى ذاته أيضاً. فقد أراد بتأكيد النقيضيْن، بيانَ المعنى في أوضح صورة، فـ(استقبلت) النفس بجزع: إنما هو استقبال فيه خُبثٌ، والخبث هو ما يُحدث به الجزعُ الضَّررَ في النفس، وفي الإعراض عن أمر الله، وما أطيب نقيضه، حيث (استدبرت) به النفس التعامل السابق، وذلك بالصبر والرضا، بما يغرس فيها من سكون وطمأنينة، وبما يحقق من امتثال لأمر الخالق.
وفيه معنى قول أبي تمَّام:
أتَصبِرُ للبَلوى عَزَاءً وحِسبَةً * فَتُؤجَرَ أم تَسلُو سُلُوَّ البهائم
(28) وَفِيتَعَبٍمَنْيَحْسُدُالشَّمْسَنُورَهَا * وَيَجْهَدُأَنْيَأْتِيلَهَابِضَرِيبِالضريب: الشبيهوالمثيل.
وحالالحُسَّادلايمكنتصوره،إذكثيراًمايوقعهمحسدُهمفيأحواللامعنىلها،وأفعاللاتفسيرلها.
ومنذلكأنالحاسدمنغَيِّهوفسادِحالِه،يُوقعنفسَهفيتعبٍلاأوللهولاآخر،عندمايحسدالشمسعلىنورها،فالشمسلاتُعدمنورها،ولنيستطيعالحاسدولوبذلجهداًجهيداًأنيأتيللشمسبشبيه،ولالنورهابمثيل،ولنيُمَكِّنهحسدُهمنأنيجعلالشمستفقدنورها.
كأنَّالمتنبي،فيهذاالبيت،يخاطبكلمحسود،فيقول: كلماوَجَّهَالحُسَّادُلكَسهامحسدهم،فتذكَّرْأنهمإذيحسدونكَ،فهمفيتعبٍ،فأنتومافيكممايحسدونكعليه،كالشمسِونورِها،وهمبحسدهملك،كمنيحسدالشمسنورَها،فلاتُعِرْهماهتمامَك،ولاتتأذَّبحالٍ،وتذكَّرْأنالحاسدفيتعبٍ،وأنكَماضٍفيتميُّزك،وإبهارك.
(29) ومِنَالبَلِيَّةِعَذْلُمَنْلَايَرْعَوِي * عَنْجَهْلِهِوخِطَابُمَنْلَايَفْهَمُعذل: لوموعتاب.
يرعوي: يقلععنفعلهالسيِّئ،ويرجععنارتكابه.
جهله: الجهلضدالعلم. ورُويالبيتبِـ(جهله) بدلاًمن (غَيِّه): أيضلاله،والغَيُّنقيضالرشد.
المعنى: منيعتبعلىالذيلايتركمايفعلمنسوء،مبتلَىبصنيعههذا،إذينصحمنلاينتصحويعتبعلىمنلايتغير.
ومنالبلوىأيضاً،مخاطبةُمنلايستوعبولايُدرك،بأيخطابٍحتىوإنْكانيحتاجإلىحدٍّأدنىمنالفهمِوالاستيعابِوالإدراكِ.
والملاحظفيهذاالبيت،أنّالشاعرجعلالجهلَخطيئةًتجبالعودةعنها،ولايكونذلكإلّابسلوكطريقالتعلُّم،فالعلميدفنالجهل،ونورالعلميمحوظلامالجهل،وفيالحديثأنالنبيﷺقال: «إنماالعلمبالتعلُّم».
ومناللطائفأنالمتنبي،فيقوله: (جهله)،نسبالجهلإلىالجاهل،محملاًمسؤوليةالجهلللجاهلنفسه،ونسبةالجهلللجاهل،فيهاتقليلمنقيمةالجاهل،بلومناسبتهللجهل،ومناسبةالجهلله.