في واحدة من أعذب قصائد أبي فراس الحمداني وأكثرها تعبيراً، قارن الشاعر الكبير بين العرب والروم، ورغم أنه عدد خصالهم، إلا أنه ظل متأرجحاً بينهما يحن لكليهما دون أن تسيطر عليه المواقف المتحيزة.
والقصيدة ضمن “روميات أبي فراس” التي كتبها وقت أسره في يد الروم وأرسلها إلى سيف الدولة الحمداني.
وتقول الأبيات التي يقرأها بصوته د. علي بن تميم:
فَلَمّا مَضَى عَصْرُ الشّبِيبَة ِ كُلّهُ، وَفَارَقَني شَرْخُ الشّبَابِ، مُوَدِّعَا
تَطَلّبْتُ بَينَ الهَجرِ وَالعَتْبِ فُرْجَة ً، فحاولتُ أمراً ، لا يرامُ ، ممنعا
وَصِرْتُ إذا مَا رُمْتُ في الخَيرِ لَذّة ً تَتَبّعتُهَا بَينَ الهُمُومِ، تَتَبُّعَا
وَهَا أنَا قد حَلَّى الزّمَانُ مَفَارِقي، و توجني بالشيبِ تاجاً مرصعا
فلوْ أنني مكنتُ مما أريدهُ منَ العيشِ ، يوماً ، لمْ يجدْ فيَّ موضعا !
أما ليلة ٌ تمضي ولا بعضُ ليلة ٍ ! أسُرّ بهَا هذا الفُؤادَ المُفَجَّعَا؟
أمَا صَاحِبٌ فَرْدٌ يَدُومُ وَفَاؤهُ! فيُصْفي لمن أصْفى وَيَرْعى لمنْ رَعى ؟
أفي كُلّ دارٍ لي صَدِيقٌ أوَدُّهُ، إذَا مَا تَفَرّقْنَا حِفِظْتُ وَضَيّعَا؟
أقمتُ بأرضٍ الرومِ ، عامينِ ، لا أرى منَ الناسِ محزوناً ولا متصنعا
إذا خِفتُ مِنْ أخوَاليَ الرّومِ خُطّة ً تخوفتُ منْ أعمامي العربِ أربعا
و إن أوجعتني منْ أعاديَّ شيمة ٌ لَقِيتُ مِنَ الأحبَابِ أدْهَى وَأوْجعَا
ولوْ قدْ رجوتُ اللهَ لا شيءَ غيرهُ رَجَعْتُ إلى أعْلى وَأمّلْتُ أوْسَعَا
لَقد قَنِعُوا بَعدي من القَطرِ بالنّدى ، و منْ لمْ يجدْ إلاَّ القنوعَ تقنعا