السؤال المؤرق للتونسيين اليوم يتلخص في الآتي: “كيف يمكن للثورة أن تأتي بنظامٍ ديموقراطي”؟!
الإجابة عن هذا السؤال ليست بالسهولة المتخيلة.
في لحظات النجاح تتحول الأنظار كلها إلى الآمال، ننسى الآلام التي يمكن أن تأتي، هذا ما حدث مع ثورة تونس بشكلٍ واضح. ولعل من بين أهم المنظّرين والمفكرين الذين يتابعون تطورات الوضع في تونس هو البرفسور التونسي محمد الحداد، ففي مقالته في صحيفة الحياة الأحد 22 مايو 2011 طرح نظرته التي عرّفها بأنها نظرة “متشائلة”، نظرة الرجل اليمنى في التفاؤل، واليسرى في التشاؤم، وهي رؤية عميقة ودقيقة تستحق التوقف، وبخاصةٍ أن البعض تساءل عن سر استمرار التعذيب في تونس وقد خصصت للتعذيب هناك مقالة نشرت قبل أيام.
كيف ينظر التونسيون إلى مستقبلهم الديموقراطي؟
يقول الحداد: “إن الثورة التونسية ليست بالصورة الرومانسية التي تبدو عليها في الخارج، وهي معرضة للانتكاسة وخيبة الأمل لأسباب كثيرة، لقد كان رجاء الكثيرين في تونس وفي العالم أن يشهد أول بلد عربي إسلامي تجربة انتقال ديموقراطي على نمط ما حصل في بلدان عديدة مثل إسبانيا والبرتغال وأفريقيا الجنوبية وبلدان المنظومة الشيوعية سابقاً. لكن البعض الآخر في تونس وفي بيئات خارجية أصبح لها نفوذ وحضور في تونس كان ينظر إلى الثورة من منظور مختلف، فهي تدغدغ في القوميين مشاعر الحنين إلى عبدالناصر وصدام حسين، وفي مشاعر الإسلاميين زلزال الثورة الخمينية بإيران، وفي مشاعر الماركسيين ذكرى لينين وماو وتشي جيفارا، وهي جميعاً تجارب ثورية إلا أنها لم تكن ديموقراطية في شيء”!
قلتُ: والأخطر الذي يُطرح اليوم أن تتحول أحلام الديموقراطية إلى ضربٍ من “المحاصصة الحزبية” وأن تطرح أفكار الديموقراطية والمدنية أرضاً، والغريب أن المحاصصة دائماً تأتي مع سقوط الأنظمة، حين سقط النظام العراقي ظنّ الناس أن نظاماً ديموقراطياً سيأتي لكن سرعان ما حضرت المحاصصة الطائفية، والمحاصصة الحزبية ليست سوى صورة من التقسيم السياسي البعيد كلياً عن النموذج الديموقراطي المأمول!
قال أبو عبدالله غفر الله له: ومن أخطر ما حدث في تونس “فقدان الثقة” بين الشعب والسلطة الانتقالية، حيث يحضر هاجس الشك والتساؤل عن مدى صدقية ونزاهة هذا المسؤول أو ذاك، ولا تسأل عن “اجتثاث النظام السابق” الذي يقوم به الثوار وهذا ربما يضعف من حظوظ ديموقراطية مزدهرة في تونس … للأسف سقط النظام لكن كيف يمكن بناء نظام آخر جديد؟!