في أحد الأفلام يأتي الرجل الذي يقوم بدور مدربٍ رياضي بعد الهزيمة، يجد زوجته على الأريكة متمددة بانتظاره. يشكو إليها الهزيمة، يفضفض بكل ما لديه، وهي تنصت بكل قواها، وعيناها تغرورقان بالتعاطف والحب. ينتهي الرجل، يضم زوجته، ومن ثم يستمع إلى توجيهاتها. تعطيه الكثير من القوة الدافعة، يتماسك، يقف على رجليه، ثم يدور في المكان ويتناول كأساً من الماء، ثم يعود إلى زوجته. أعطته في هذا المشهد – أي الزوجة – كل القوة التي يحتاجها، حين جاء متهاوياً هي التي أمدته بطاقة الصعود من جديد نحو القوة والثقة بالذات. هذا المشهد أعادني إلى تفكير الناس بالمرأة، أو لنقل الكثير من الناس، حيث توضع في المكان الضعيف، أو بمنزلةٍ أدنى من قوة الرجل، وهذا ما سأنتقده هنا.
إذا استعرضنا موقف العلماء الإصلاحيين النهضويين في تاريخنا المعاصر، سواء ابن عاشور، أو محمد عبده، أو الطاهر الحداد، نفاجأ بمستوى الرقي الذي طرحوه في كتاباتهم عن المرأة، مع أنها للأسف كتاباتٍ لم يكتب لها النجاح في الانتشار.
لآخذ مثلاً الطاهر الحداد الذي رأى في كتابه “امرأتنا في الشريعة والمجتمع” الذي ألّفه سنة 1929 أن: “إذا تأملنا حق التأمل في نصوص الشريعة الإسلامية ومراميها نجد أنها تريد أن تذهب بالمرأة مع الرجل مذهب المساواة في وجوه الحياة. ولقد أدركت من ذلك في الزمن القصير شأوا بعيدا لم تعرف له امرأة ذلك العصر حداً بل ولا معنى فضلا عن أن تطالب به كحق من حقوقها، بل ما تزال امرأتنا إلى اليوم تجهل ما قرر لها أو طوي في نصوص الإسلام من كنوز الحرية والحق”. وهذا الرأي للشيخ العالم الطاهر الحداد يؤكد على أن بعض الناس يكرر ما عاشه من عاداتٍ وتقاليد ويلصقها بالإسلام. يقول الطاهر أيضاً: “إن طباعنا القديمة تأبى على المرأة أن تتعلم. وهذا قائم في أنفسنا على الخوف من الحرية، فلولاها ما تعسر تعليم المرأة عندنا إلى هذا الحد. ولولاها ما اشتد العناد في حجاب المرأة. ولولاها ما التوت علينا مسألة المرأة كل هذا الالتواء” (انظر ص131 من كتاب امرأتنا في الشريعة والمجتمع).
قال أبو عبدالله، غفر الله له: في ظل أخبار الاغتصاب، ومنع المرأة من الزواج، أو تزويج الصغيرات، أو عضل المرأة، أو اشتراط استقالتها من العمل قبل الزواج لا بد أن نعود لإصلاح فكرتنا عن المرأة. الرؤية القبَلية والقروية والرجعية في التعامل مع المرأة تحتاج إلى نقد، وأحسب أن الطاهر الحداد وغيره قد منحونا في كتبهم الكثير من النقد العظيم، فهل نستطيع استيعابه؟