أتابع بين فينةٍ وأخرى بعض السجالات الفكرية في القنوات الفضائية أو الصحافة أو في مواقع التواصل الاجتماعي. الكثير منها يعجبني ويروقني، وخاصة حين تكون روح الحوار حاضرةً، وحين يكون كل محاورٍ قد أعدّ أدلته وجهز براهينه، وجاء إلى الحوار متسلحاً بالأدب والعلم، حينها ستستفيد من رؤية الطرفين، حتى وإن كنت ضد كلا الرأيين، لكنك ستخرج بشحذ ذهني وبمعلومات ضافية. غير أن بعضها الذي لم يعجبني وجدتُ فيه الكثير من الملاسنات من شخصيات لها ألقابها ومكانتها العلمية، بحيث يصرّ كل طرف على إثبات سذاجة رأي الطرف الآخر، على طريقة “السحق، والتصفية، وسلّ السيف اللغوي” وغيرها من الأساليب التي تشوّه معنى الحوار وتفقده قيمته العظيمة.
الخطأ الآخر حين ينتقص أحدهما من تخصص الآخر؛ سواء كان فيزيائياً أو رياضياً أو شاعراً أو صحافياً، وهذا الخطأ يدل على أن المنطلقات الأولى للحوار خاطئة. إن المحاور الذي يفتتح الحوار ويبدأه انطلاقاً من اصطفاءٍ يظنّه في اختصاصه أو مجاله يضرب الحوار ونتيجته في مقتل. ثم حين يبدأ الحوار بالتصاعد يبدأ الحديث عن المثالب والمعايب، ويبلغ الحوار تأزمه حين يبدأ أحدهما بالحديث عن نفسه وإنجازاته واختصاصه والبطولات والصولات والجولات، خارجاً بهذا الأسلوب عن محور النقاش، وهذا لعمري يقوض الحوار من أساسه ويهده من قواعده.
في فترةٍ مضت خصصت إحدى الوسائل الإعلامية برنامجاً فضائياً يومياً في رمضان للحوار بين المختلفين من السنة والشيعة، اللافت أن الذين جاؤوا إلى الحوار لم يكونوا ليناقشوا مسائل يمكن أن تثمر من خلال التاريخ وظروفه، بل فتح كل طرفٍ منهم مثالب ومعايب الطرف الآخر، والمستندات جاء بها كل طرفٍ من التراث، لكنهم لم يصلوا إلى معنى أو هدف للحوار نفسه. هناك فرق بين الحوار وبين النصيحة أو الدعوة، الحوار يبدأ من الأساس منفتحاً على الآخر، لتستمع إلى كل ما لديه، ثم تسمعه ما لديك بنفس الدقة والشرح والتفصيل، كذلك الأمر في الحوارات السياسية، وآخرها السجالات في مجلس النواب اللبناني حين تبادل نائب مع آخر كلمات نابية مثل “يا كلب” هذا على سبيل المثال.
قال أبو عبدالله غفر الله له: أتمنى أن تصقلنا التجارب لتكون أولوياتنا أثناء انطلاقنا في الحوار أخلاقية وفكرية، لا أيديولوجية أو سجالية، والحوار تنمو أساليبه بالتدرب، أحدهم قرر أثناء الحوار أن يهدي الطرف الآخر ابتسامته، بحيث يهدأ هو ويهدأ الطرف الآخر ويكون الحوار ممتعاً مفيداً.