من بين الاحتقان الذي أشرتُ إليه من قبل في مقالتين، التأزم الطائفي، والشحن المذهبي. والطائفية من أشرس ما يدمر النسيج الاجتماعي، بل ويفتته ويجعله لقمة سائغة بأيدي الطامعين. والطائفية لا تعني الانتماء، ذلك أن الشيعة في السعودية تاريخهم عريق، ولهم إسهامات في الوطن، وهم جزء لا يتجزأ من كيانه. لكن الذي نعترض عليه أن تتحول الانتماءات إلى وسيلة للتنابز بين المختلفين. حتى الانتماء المذهبي لا يجب أن يتحول إلى عراك، حيث يلغي الحنبلي المالكي، أو الحنفي الشافعي، بل إن كل تلك الانتماءات هي جزء من التاريخ والحاضر، وسيظل الشيعي شيعياً وسيظل السني سنياً.
ثم إن المخرّب حين ينتمي إلى طائفة فإنه لا يمثّلها كلها، “ولاتزر وازرة وزر أخرى”. وأذكر بكتاب الدكتور رشيد الخيون “ضد الطائفية” والذي عرج فيه على نموذج تضخم الطائفية في العراق، وكم كان محقاً وهو يسرد في صفحات كتابه النفيس آثار التغلغل الطائفي بين أبناء المجتمع الواحد. وحتى لا نسير في طريق مواجهات طائفية، فإن مواجهة المرض في بدئه خير من التهاون فيه ومن ثم الوقوع فريسةً له بحيث يصعب التخلص منه أو الانقضاض عليه. الطائفية داء مستطير ولا يجب أن نسمح له بأن ينخر في جسد مجتمعنا.
من يقرأ رسائل “الواتساب” أو “البلاك بيري” أو النقاشات الحامية على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يملك إلا أن يأسف لما وصل إليه المجتمع من تفكير طائفي، تتخيل أن أصحابه مستعدون لسحق الطرف الآخر والمذهب الآخر، لو قدر لهم أن تتاح لهم الفرصة، وكأن قناعة فلان أو علان بخطأ هذا المذهب أو ذاك ستساهم في سحقه وذروه مع الريح!
قال أبو عبدالله غفر الله له: نحن قنوعون نريد أن نتعايش، وفق أسس الاحترام وعدم استفزاز كل طرف للآخر. المذهبان موجودان منذ أكثر من ألف سنة، ومهما اشتد أوار التناحر، فلن يلغي أحد الآخر.
لنخفف من الاحتقان الطائفي رجاءً، ولنبق على التعايش، وإن استطعنا “التحابّ” فما أجمل الحب في زمنٍ غلبت عليه “الكراهية الطائفية”.