أصدقكم القول إني أحياناً أستغرب من بعض مناحي سلوكنا اليومي، لدرجة تجعلني أحار حد القلق.
أفترض في مستخدمي الإنترنت أنهم يمثلون في الغالب طبقة حصلت على حد أدنى من التعليم والتربية، وبالتالي التهذيب. يبدو هذا جيداً، لكن تخيل أن ترى شخصاً يدخل على كاتب أو كاتبة أو حتى شيخ دين أحياناً، لمجرد أنه اختلف معه فيسبه سباً شوارعياً، ربما يتعفف أبناء الشوارع عنه!
كلنا نعرف أن ثلة من شباب “تويتر” شبعت تشفياً وغضباً من أحد أعضاء مجلس الشورى، عندما اختلف مع أحدهم في “تويتر” فكتب له ضمن (الحوار) كلمة: (كل تبن)، أجلكم الله.
لقد ترددت في كتابة الكلمة لحضراتكم، لكن المؤسف أن هذا الصنف من الكلام، لم يعد كلاماً محظوراً، بل بات شائعاً في حوارات من يُفترض فيهم أنهم نخب.
لا يقل لي أحدكم إن الخلاف كان مصيرياً لدرجة أن الطرف الآخر يستحق هذا الإسفاف، فالنبي اختلف مع كفار قريش، ولم يسبهم، ولم يكن صلى الله عليه وسلم بالسباب ولا باللعان، كما هي سيرته، وكما نقل لنا من عايشوه.
بل تخيل أن يأتيك شاب متحمس لشأن ديني، تصور أنه يختلف معك من أجل الانتصار لدين الله، ثم يصب عليك وابل سبابه وربما قذارته.
معاذ الله أن ينصر الحق، بالباطل. وتعالى الله أن يكون دينه بحاجة إلى فاحش الكلمات ليرتفع.. ما لكم كيف تنظرون؟!
أعرف بعض الأمهات، أسأل الله أن يجزيهن خيراً على تربيتهن لأبنائهن بالأدب، يلزمن أطفالهن أن يضعوا على ألسنتهم الشطة الحارة، إذا تلفظوا بكلمة نابية، ويقلن لهم: أرأيتم كيف أن هذه الكلمة سيئة كأنها تحرق اللسان! نحن بحاجة، أفراداً وجماعات، إلى أن نعيد صياغة منظومة الأخلاق اللفظية في حياتنا، لأنها هي بداية صناعة منظومة الأخلاق القيمية، ولن ترتفع أمة أو تسود دون ضبط هذه المنظومة!
الذين يلعنون بالليل والنهار، لا يمكن أن يدافعوا بحق عن أفكار أخلاقية راقية. والذين يُعتبرون السباب ركيزة قاموس كلماتهم، لن يُربوا جيلاً أديباً أريباً!
ومن لم يكن الأدب حلته، فلن يسمو شأنه، فكيف يريد أن يسمو بفكرة أو منشأة أو وطن أو دين؟ فاللسان بريد القلب، والقلب هو المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله، والعليل لا يصلح أبدان الناس، ولا عقولهم ولا قلوبهم.