استفاضت بيانات التنديد والإدانة لتفجيرات عاصمة الضباب الأربعة التي أصابت لندن في صباح خميسي، واستهدفت شل حركة المدينة ذات الإثني عشر مليوناً من البشر، بتفجير الباصات و”الإدرجراوند”.
المدينون المنددون شخصيات إسلامية. فمن مفتي السعودية، إلى مفتي مصر، مروراً بشيخ الأزهر، والجاليات العربية والمسلمة في الخارج، وليس نهاية بالشخصيات السياسية العربية والبيانات الرسمية التي أصدرتها وزارات الخارجية. كل هؤلاء وضعوا نصب أعينهم بالتأكيد ما صرح به رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في أعقاب التفجيرات، عندما قال: إن مرتكبي التفجيرات تحركوا باسم الإسلام، رغم أن معظم المسلمين يدينون هذه الأعمال.
كان المنددون المدينون يريدون أن تشملهم هذه “المعظم” البليرية، ويريدون أن يعتذروا عن ثقافتهم وديانتهم التي يستخدمها المفجرون الإرهابيون، الذين لن يسعدوا حتى يحولوا العالم كله إلى تورا بورا، وحتى يروا المجتمعات المستقرة، تفر على حمار كما فعل إمامهم ملا محمد عمر، أو تختفي كما يفعل قائدهم الهمام أسامة بن لادن.
أعلم أن ابن لادن يشكل ملهماً في أذهان كثير من المفتونين في العالمين العربي والإسلامي، لكني أسألهم ببراءة: أين هي شجاعة بطلكم المغوار؟ ولماذا لم يقم بعملية واحدة من عمليات قاعدته التي تنشر الموت في العالم، وتستبدل الأمن بالدماء، والطمأنينة بأصوات الانفجارات، وتطرب لبث الهلع في نفوس الآمنين في ديارهم؟
إن إدانات الرسميين وذوي المناصب يجب ألا تجعلنا نرى أن عالمنا الإسلامي طيف واحد، يعبر عنه أولئك الذين تنشر تصريحاتهم في الصحف. فهناك أطياف ونسيج يشكل تأثيراً في مجتمعاتنا، يهلل للتفجيرات اللندنية، ويتبادل التهاني والتبريكات، وقد دوت صيحات التكبير منه على صدى دوي القنابل التي تفجرت في لندن وذهب ضحيتها ما يزيد على خمسين مدنياً، خلافاً لإصابات تجاوزت المئات السبع.
كنت أتوقع بعد تجربة الحادي عشر من سبتمبر أن الذين ابتهجوا بداية بأعمال القتل الجماعية في الولايات المتحدة، سيتوقفون عن إعلان مشاعرهم الشامتة والفرحة بمقتل الآخرين، خاصة وبعد أن رأوا الآثار السلبية على عالمنا وثقافتنا جراء حماقة أبنائنا، وأقول أبنائنا لأنهم منتسبون لنا شئنا أم أبينا، رفضنا فكرهم، أو لم نرفضه. لكني وجدت أن من الناس من ران على قلوبهم، فلم يعلمهم التكرار، ذلك الذي يعلم الحمار!
لقد تبادل الأصوليون التهاني بعد تفجيرات لندن، وقرت أعينهم بالدماء والأشلاء، وأدخل قتل الآمنين الفرح والحبور إلى قلوبهم المريضة، ونفوسهم المضطربة، فهنيئاً لهم، القتل والتدمير سفيراً لمقاصدهم ومآربهم!
كتب الزميل طارق الحميّد في “الشرق الأوسط” قبل أيام مقالاً هنأ نفسه والعرب والمسلمين في بريطانيا بحالة ضبط النفس العالية التي تمتعت بها الحكومة هناك والناس من حولهم في التعاطي مع الأحداث، وأرفع مع طارق قبعتي احتراماً وشكراً لهم على هذه القدرة الفائقة، لكني أقول لطارق بالمحلية “جماعتنا ما ينشد بهم الظهر”، فانتظر منهم واقعاً جديداً، إذ لا يمكن لأحد أن يقبل بعد ما حدث فكرة ضبط النفس أصلاً.
أذكر أني ظهرت بعد تفجيرات الثاني عشر من مايو 2003, بدء صراع السعودية مع الإرهاب، على شاشة قناة فضائية، مع أصولي لندني، كان يردد أطروحات القاعدة، بشكل مغلف للقبول الإعلامي، ويقول إن الذين ماتوا في تفجيرات شرق الرياض، من الأميركيين والغربيين الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا!
كان يقولها وهو لم يجد له بقعة أرض ترتضيه إلا لندن، الغربية، التي فجرها من يدافع عنهم، على اعتبار أنها عاصمة الكفر والكافرين!
وأختم بما قلته سابقاً وسأظل أكرره: “اللهم احمنا من حمقى المسلمين، قبل أن تحمينا من حمقى غيرهم”.
جميع الحقوق محفوظة 2019