برحيل الدكتور عبد الرحمن بن صالح الشبيلي، (المولود بعنيزة عام 1944)، رحمه الله، والذي فارق دنيانا، في 30 يوليو الماضي، تطوى حياة أبرز موثقي تاريخ الإعلام السعودي، وأحد أبرز مؤسسيه.
ورغم بلوغ الدكتور الشبيلي، 75 عاماً، إلا أن خبر وفاته، نزل كالصاعقة على محبيه، وبخاصة أن الوفاة نتجت عن تأثره إثر حادث سقوط شرفة شقته بباريس، قبيل ساعات من رحيله.
طوال عمل امتد لنصف قرن، ساهم الشبيلي، بتأسيس صناعة الإعلام بالسعودية، وهو أجرى مقابلات تلفزيونية نادرة مع شخصيات ساهمت في تأسيس المملكة، فحاور (الملك) الأمير فهد بن عبدالعزيز، والأمير نايف بن عبدالعزيز، و(الملك) الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وغيرهم كثير، ولما ترجل عن العمل الحكومي، تفرغ لتوثيق سير أعلام الإعلام، فكتب ما يزيد على خمسين كتاباً، ختمها بتوثيق سيرته الذاتية، قبيل أشهر من رحيله، بكتاب: (مشيناها… حكايات ذات).
ترك الراحل سيرة مجللة بالعمل، بلا كلل ولا ملل، باصماً أعماله، قديمها وجديدها، بمهنية راقية مسجلاً ما لم يجاريه أحد فيه، بحرفية الإعلامي، وعمق الأكاديمي.
يقول الدكتور إبراهيم التركي في مقال نشر في جريدة الجزيرة في 4 فبراير2017: «غادر الدكتور عبدالرحمن الشبيلي الإعلام- العمل أو الوظيفة بعد خمسة عشر عاماً مذيعاً ومعداً وإدارياً وقيادياً، ولا يُعلم – على وجه الدقة – أسباب ذلك، وإن كان بالإمكان توقعها، غير أنه استبدل بالوظيفة الرسمية عطاءات بحثية وتوثيقية في الإعلام والأَعلام، تجاوزت خمسة وخمسين كتاباً وكتيِّباً، تتالت بعد توقف يسير، أعقب كتبه الثلاثة الأولى»، مؤكداً أن من يعرف الفقيد، «يُدرك أن الفتى الصغير، كما العَلَم الكبير، لم يتبدل فيه شيءٌ من هدوئه وتسامحه ولطفه، وإيثاره وحبه للآخرين، وحرصه على بذل المعروف، وإنكار الذات، والنأي عن رد الإساءة، والإعراض عمن كاد له أو وقف في دربه».
وكتب عنه، أبو يعرب، محمد القشعمي، في جريدة عكاظ في 21 يناير 2012، فقال: «بحكم اهتمامي ببدايات بعض العلماء والرواد، وجمع أول مقال أو قصيدة كتبها، لأن في نيتي أن أُعِّد كتاباً عن (بداياتهم مع الكتابة)، فقد وجدت أن أستاذنا أبا طلال قد بدأ الكتابة منذ الصغر، فإذا عرفنا أنه من مواليد عام 1363هـ (1944) فقد بدأها وعمره لا يتجاوز اثني عشر عاماً، إذ نجد جريدة (أخبار الظهران)، التي تصدر في الدمام، ويرأسها أستاذنا عبد الكريم الجهيمان، تكتب ضمن زاوية (من غير تطويل) في الصفحة الخامسة من عددها (31) ليوم الأحد الأول من شهر ربيع الثاني 1376هـ الموافق 4 نوفمبر1956م:(عبد الرحمن الصالح الشبيلي عنيزة، نحن لا نقل عنك سروراً بإعادة إصدار (أخبار الظهران)، كما أن مما يضاعف سرورنا ما نلقاه منك ومن قرائنا الأعزاء من كلمات الإعجاب والتقدير)».
الشبيلي، رحمه الله، اعتبر، في محاضرة بعنوان: «قصة تأسيس التلفزيون في السعودية» ألقاها بمنتدى حمد الجاسر الثقافي، في سبتمبر 2014:«الحقبة الزمنية التي واكبت تطور التلفزيون طوال 50 عاماً رافقتها إشكالات عدة، منها تحريم الصورة وقتها، وعدم ظهور المرأة إلا بحجاب، وتدوير البرامج ونقلها بالطائرة من مدينة لأخرى، والعوائق الاجتماعية التي كانت أكبر من الدينية»، مشيراً إلى أن «محطة (أرامكو) في الشرقية كانت أول محطة تلفزيون في الشرق الأوسط انطلقت في العام 1951 ناطقة بالإنجليزية، وكان أهالي الرياض، وغيرها من المدن يسافرون إلى الشرقية لرؤية تلفزيون (أرامكو)». وأفاد بأن «المحاولات الجادة لإطلاق التلفزيون الرسمي بدأت في أواخر عهد الملك سعود في العام 1963 عندما كان جميل الحجيلان وزيراً للإعلام، إذ تم إبرام اتفاق سعودي مع أميركا تتولى بموجبه الهيئة الفيدرالية الأميركية إطلاق القناة السعودية، بالتعاون مع شركة تصميم يونانية».
اتسم الراحل علاوة على سيرته المهنية، ومؤلفاته الغزيرة، بالخلق الرفيع، ولطف التعامل، وحسن المعشر، وما أجمل وصف القشعمي للفقيد، بقوله «هو بطبعه رقيق الحاشية، مرهف الحس، واضح العبارة، دبلوماسي التعامل والحديث، لا يقاطع ولا يناكف، يتكلم بقدر، وقت الجد تجده في منتهاه، ووقت المزح والهزل يشارك بقدر محدود، وحتى الضحك تجده يبتسم بلا قهقهة، يدعو للمرح ولا يبالغ، مما يؤدي للخلاف بين الأَخِلّّاء».
رحمك الله يا أبا طلال وأسكنك فسيح جناته.
*سفير المملكة في الإمارات.
جميع الحقوق محفوظة 2019