حين نرى الصغار وهم يتراكضون بثياب ناصعة البياض أمام عائلاتهم، نتذكر بسرعة البرق أولئك الأيتام الذين لم يجدوا في حياتهم من يضع مسحةً من حنانٍ صادق على شعيرات رؤوسهم، بل يعيشون ضمن “وظائف” الحنان التي تهدى إليهم من الموظفين حولهم في هذه الجمعية أو تلك، أو من الأقارب الذين يكونون أحنّ على أولادهم من حنانهم عليهم بطبيعة الحال، كما نتذكر الفقراء بثيابهم الممزقة على أبواب دمّرتها السنين، وقرضتها أنياب الفقر. كل أولئك تمرعليهم الأعياد بشكلٍ آخر،غيرالذي تمر به علينا، فتذكُرتلك الشرائح من المجتمع يعطينا بعداً تضامنياً وتكافلاً إنسانياً أكثر دقةً وبذلاً.
أبو ذرالصحابي الذي اختار أن يكون منعزلاً في حياته، والذي رأى في الإسلام بعداً من التكافل الاجتماعي ليس في غيره، قال له النبي عليه السلام: “يا أباذر إذا طبخت مرقةً فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك”. هذه الوصية جعلت من أبي ذر شخصاً له فقهه في المال وتوزيعه على ما هو مدوّن في كتب التاريخ، وبخاصةٍ حين كانت له مواقفه الواضحة من تبذير المال الذي حدث في فترة “الفتنة”، لقد كانت الوصية بالإكثار من الماء ليكثرالمرق وبالتالي يكون للجيران النصيب منه، أكبرالأثر على أبي ذر، وهي نصيحة عظيمة، نحتاجها في هذه الأيام، لنعيد للجيرة قيمتها.
إذا كانت أيام التشريق، أيام أكلٍ وشرب وذكر لله، فلا ننس الفقراء ممن حولنا، فليكن لهم نصيب وحصة مما لدينا من فائضٍ في الرزق. بعضنا يقول إنه لا يدري من هم الفقراء في الحي، تذكّرت مع هذا الاستدراك مهمة “عمدة الحي”، الذي لا أدري ماذا صنع الله به! كان يمكن لهذا العمدة أن تكون لديه المعلومات الدقيقة عن الفقراء في الحي، وعن المعوزين، وعن عدد العوانس، وعن الأيتام الذين يعيشون مع أخوالهم أو أعمامهم، هذه مهمة إنسانية، كان يمكن أن تكون ضمن مهام العمدة الرئيسة، حتى يتحقق التكافل الاجتماعي البيني، وهذا لعمري أعظم من انشغال عمدة الحي بختم الأوراق في مكتبه، أو في ملحق بيته!
قال أبو عبدالله غفر الله له: لنتذكر أن الأعياد التي تمرعلينا مر السحاب والنسيم لما منّ الله علينا من رزق، تمرعلى غيرنا فيتوارى من الناس، خشية سؤال أولاده عن لبس الجديد، أو رغبةً بالنأي بنفسه ومن تحت جناحه عن الفرح الذي لم تسعفه قلة ذات اليد عن نثره بين أولاده. ليكن العيد فرصةً للتعبيرالإنساني من خلال منح الآخرين حصصاً مما لدينا من رزق، هكذا أوصى النبي عليه السلام أبا ذرٍ الغفاري.