قصة جحا خان الهامور الأفغاني شرّقت وغرّبت. الزميل سعود المطيري في صحيفة الرياض حكى لنا قصة هذا الجحا الظريف. اختلط بثقافة المجتمع، رضع وشرب على مدى 43 سنة وتدرّج من أسفل إلى أعلى، ليكون رأساً قائماً بذاته، يشرّه الشعراء، ويديّن الناس، ويتعاطى مع الناس نكاتهم اليومية، ولديه طقوس المجتمع العامة مثل شرب القهوة، حتى إنه يقلّدهم في طريقة “الكحّة”، لأن الهوامير لديهم صوت خاص بالكحّة، فكل صوت يدل على رصيد معين، أو منصب من المناصب العالية.
يقول الزميل سعود: “شايز خان أو (جحا خان الأفغاني) كما يلقب، جاء إلى القصيم قبل نحو 43 عاماً، أمضى منها ما يزيد على 30 عاماً كعامل نظافة ببلدية الأسياح، ثم تحول إلى صورة ممسوخة لبعض “شيبان مداينات الجفرة” الذين ينضم اليهم مساء كل يوم.. يكح كحتهم، ويتلذذ بقهوتهم، ويتهامس معهم “النكت السريرية” التي يتداولونها في وحدتهم”.
خان برز من كونه عاملاً في البلدية ليصير “شيخ” من الشيوخ الذين يأتي إليهم الناس للاستدانة والاستنجاد من أقصى الأماكن، بل ويزيدنا جحا خان من الشعر بيتاً، فهو يطرب للمديح، ويستمتع بالإصغاء إلى الشعر الشعبي، حتى إن أحد المستدينين منه ضاقت به الحال، ولئلا يشدّ عليه خان ويجرجره في مخافر الشرطة ابتدأ قصيدة جاء في مطلعها:
“رفيق” حيثك من كبار الحمايل
الجيب فاضي والمداخل شحيحة
جعل الشاعر من الشيخ خان يطير فرحاً، وشرهه بتخفيض الدين. وبخاصةٍ أنه جعله من كبار الحمايل على الأقل في الشعر، أو ربما من كبار حمايل أفغانستان.. إنها قصة مزجت بين الإضحاك والغرابة، وحسناً فعل الزميل المطيري بهذا التوثيق الجميل. لكن لدي ملاحظة واحدة وهي ملاحظة اجتماعية على هذه القصة.
من خلال العجينة الاجتماعية التي أكلها خان نعلم أننا ندرب الناس أحياناً على التضخم، حينما نمدحهم بشكل استفزازي مقزز، وحينما يصغر الناس فقط لأجل حفنة من المال، أو لأجل مائتي ريال. المشكلة أن تركيبة المجتمع لنمط “شيخ القروش” جعلت خان يصاب بعدوى واضحة، مثل “الشرهات” أو “الشعر الشعبي” أو “المدح بالنسب”، مع أن خان ليس لديه في السعودية لا فخذ قبيلة ولا حتى رجل، لكنها عدوى المجتمع، حتى يصير شيخ القروش شيخاً لا بدّ أن يشاكل الآخرين حتى في عيوبهم!