الذكرى الأليمة لحدثٍ ضخم مثل حدث 11 سبتمبر لا يمكن أن تمر إلا ونحن أمام جردة محاسبة. عِقد كامل مر على الحدث وكأنه حدث بالأمس، الكثير من العلامات المنتجة للخطاب المتشدد لا تزال قائمة. صحيح أن الأبحاث التي تعد للحدث كبيرة، وصحيح أيضاً أن الكتب التي تناولت الحدث تعددت طرق طرحها له، مرةً يقرأ سياسياً ومراتٍ أخرى اقتصادياً وفكرياً. يهمنا الجانب الفكري، أن نسأل عن الحدث من حيث خطره، وهل كان بالفعل فتحاً لأعيننا على الخلل الذي نعايشه في الخطابات المتشددة والآراء الحادة؟! إذااستعرضنا المواجهات الأمنية مع “القاعدة” في الدول العربية والإسلامية، سنكتشف أنها مواجهاتٍ ضارية، وأن الأمن استطاع أن يؤثر على حركة التنظيمات المتطرفة، وأن القوة الاستخباراتية للدول القريبة والبعيدة مكنتها من أن تكون بمعزلٍ عن هجمات كبيرة كالتي حدثت في 11 سبتمبر. صار الوضع مستحيلاً الآن أن تحاول “القاعدة” أو غيرها تكرار الحدث، بمعنى أن النجاح الأمني هو سيّد العقد الماضي، وأن محاربة التطرف فكرياً لم تنجح بعد. لا نزال نستمع إلى فتاوى التكفير واتهام الآخرين بالزندقة والإلحاد، ولا يزال فهم التغيرات التي طرأت على العالم ضعيفاً ومحدوداً. ولنا أن نسأل أين هي مشاريع مواجهة التطرف في الدول العربية والإسلامية؟! معظم الإجراءات كانت لغةً كلامية من قبل المسؤولين ولم تطبق على أرض الواقع، حيث لا يحاسب من يكفّر الناس، ولا يواجه بالقانون والنظام من يقذف الناس بأعراضهم وأديانهم وأوطانهم. كما أن النشاطات اللاصفية خارج الرقابة في مجملها، وبعض الخطباء لا يزالون يقذفون الناس بأقوالهم، أحدهم يتهم امرأةً قادت سيارتها بـ”الفسق”، وآخر يزور جامعةً مختلطة ويمنع الشباب والفتيات من الابتسام لبعضهم، وثالث يطالب المرأة باللبس الشرعي أمام “والدها”! والنماذج كثيرة، يمكن لأي متصفح للإنترنت أن يعثر على ما يشيب الرؤوس من خطابات متشددة عجيبة، وكأننا في نوفمبر 2001 ولسنا في سبتمبر 2011! محاربة التطرف لا تتم من خلال الحرب بالمعنى العسكري فقط، كما لا تتم بالتغيير الجذري، المحاربة للإرهاب تبدأ من تغيير أنماط الاستراتيجيات على مستويات التعليم الرسمي، والتعليم الديني، وعلى مستوى الأنشطة التي تهيمن عليها بعض الأطراف المتشددة. من هنا يمكن أن نبدأ رحلة الألف ميل لتجديد المفاهيم لدى الناس، مثل العدالة والمساواة، واحترام المخالف، والتعامل باحترام وإنسانية ومسؤولية مع المرأة والرجل، إن تغيير الخطاب المتشدد يبدأ من تغيير وتجديد فهم الناس للحياة والعصر والزمن. تجديد الخطاب الديني لا يعني إلغاء المفاهيم الدينية كما يتوجس البعض، لكل مفهوم ديني مكانته، نعم هناك مفاهيم خاطئة في الخطب التي تطرح، مثل احتقار المرأة، أو تكفير الناس، وهناك خطب تطرح مفاهيم لها مكانها المختلف. مثلاً حين يكون لدى الخطيب مادة عن الجهاد ويريد الصدح بها، لا يصدح بها في جامع مدني، بل يمكن أن يستأذن الأوقاف ويلقيها في جامعٍ في مدينة عسكرية، أو على فرق الجيش المحاربة في الثغور بحيث ينتدب الخطيب إلى ساحات الجهاد ويخطب عن القتال والجهاد، أما أن يخطب على الناس في جوامعهم وهم يمارسون الحياة المدنية هذا من ضعف الحكمة ومن عدم إدراك نوع المخاطبين. يعود 11 سبتمبر ويعيد معه الجدل المستمر حول الخطاب الديني، نعم الرحلة لا تزال طويلة أمامنا لمعالجة كل الثغرات التي يعاني منها التعليم الرسمي والتعليم الديني، وعلى الحكومات بهذه المناسبة الاستمرار في التجديد والتطوير لئلا يقع الفأس بالرأس مرةً أخرى وربما مرات-لا سمح الله-.
جميع الحقوق محفوظة 2019