اختُتمت سنة 2009 على أنغام الحديث عن اليمن؛ البلد الذي سيكون محور الصراع بين القوى الدولية وبين الإسلاميين، في السنة الجديدة 2010 -وبعد أن ارتحلت “القاعدة” إلى اليمن- سيكون اليمن موطئ قدمٍ رحبة لكل من يهمّ بالتمرد. ولعل قمة دول مجلس التعاون الأخيرة لم تبالغ حينما وضعت على رأس أجندة مباحثاتها مسألة اليمن لأنها الدولة المجاورة، والمنفلتة في نفس الوقت. لا يمكن إهمال التخطيط المنظّم الذي انتهجتّه حركات التمرد الديني من قبل “القاعدة”، أو الحوثية اليمنية؛ حيث انتهجتْ مبدأ المباغتة في التمركز. لقد زحفت ببطء وصمت لتحتمي برداء القبيلة من جهة، ولتستغل المجتمع بعاداته وتقاليده متترسة به، وهي خطة كبيرة، أن تعود “القاعدة” إلى اليمن متخذةً منها مركزاً لا يقل قيمة عن مركزها في أفغانستان من قبل، ولا عن منطقة القبائل في باكستان حالياً. الباحث الألماني في الحركات الإسلامية شتاينبرغ رأى أن:”قوة القاعدة في اليمن تعود إلى ضعف الحكومة اليمنية وانهماكها في الصراعات مع الحوثيين في الشمال وضد الانفصاليين في الجنوب”. كما يرى أن “القاعدة” انتقلت من العراق إلى اليمن! وما اعتراف قاعدة اليمن بمسؤوليتها عن محاولة تفجير طائرة ديترويت الأميركية برأيه إلا تعبير عن أن هذا التنظيم قد انتقل من الإطار المحلي إلى الإطارين الإقليمي والعالمي. أظن أن نمو التنظيم يمكن أن نقرأه في صوت أوباما الغاضب وهو يتحدث عن “تنظيم القاعدة في اليمن” متوعداً إياه، ونقرأه في جولات الجنرالات الأميركيين في المنطقة، ولقاءاتهم مع الرئيس اليمني، وعزم أميركا على دعم حكومة اليمن في منازلة “القاعدة”. من جهةٍ أخرى، نقرأ الاستنفار الدولي في اجتماعات رئيس الحكومة البريطانية جوردون براون الذي سيعقد اجتماعاً في لندن يوم 28 يناير الجاري بغرض تعزيز قدرات اليمن في مكافحة الإرهاب، وهو موقف قريب من تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما بالعمل على تعزيز الشراكة مع اليمن من خلال تدريب وتجهيز قوات الأمن المحلية ومشاركته بالمعلومات المخابراتية لمهاجمة “إرهابيي القاعدة” -على حد وصف أوباما-. إنه تطور دراماتيكي أن تكون” قاعدة” اليمن هي واجهة الإسلاميين مع افتتاح العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. وهو يعيد ذات البروز “القاعدي” الذي كان في مستهل القرن الحادي والعشرين ذاته ابتداء من عام 2000 ووجدت ذروة تمكنها في أحداث11 سبتمبر 2001. تقرير نيويورك تايمز الصادر يوم الاثنين 28 ديسمبر 2009 جاء فيه:”أن الولايات المتحدة قررت توسيع حربها على الإرهاب لتشمل اليمن الذي أخذ يتحول الى معقل لتنظيم “القاعدة” يضاهي منطقة القبائل في باكستان. وفي غمار حربين كبيرتين لم تنتهيا بعد عمدت الولايات المتحدة بهدوء الى فتح جبهة ثالثة خفية بالأساس ضد تنظيم القاعدة في اليمن”. الجريدة تذكر أن الحرب الأميركية على “قاعدة اليمن” يمكن أن تكون عنواناً للمرحلة المقبلة من مخطط حرب الولايات المتحدة الأميركية على الإرهاب. في غمرة متابعتي لما يحدث في اليمن بغية تحديث كتابي عنه، ودفعه إلى المطبعة، لم ألبث أحدّث المحتوى، فاليمن خلال السنوات القليلة الماضية شهد تحولات كبرى على المستوى الديمغرافي والسياسي، ذلك أن الجيوب المهملة في المناطق المهمشة باتت مرتعاً للجماعات المسلحة، وليس سراً أن “القاعدة” في اليمن تشتغل في عمليات خارجية سواء إقليمية كما في تخطيطها لاستهداف الأمير محمد بن نايف، أو دولية عبر استهداف الطائرة الأميركية. من جهةٍ أخرى يعمل “الحوثيون” في الداخل لتشتيت تركيز الحكومة اليمنية. السؤال: هل هذا التفاهم الشكلي تم التخطيط له بإحكام عبر التفاهم؟ أم أنه تخطيط لا واعٍ بين أصولية الشيعة، وأصولية السنة؟ هذا ما يمكن أن يكون موضع بحث مهم للمختصين والباحثين.
جميع الحقوق محفوظة 2019