لا بد من التذكير دائماً بأن الإدارة فن، وهي تشبه الحكم، وهي علم قائم بذاته، يدرس في الكليات وتؤخذ على أساس الاستزادة من معينه أعلى الشهادات. والمركزية الإدارية تشل المؤسسة، كما هو حال الوزارات المتضخمة وظيفياً اليوم، فـ:”المركزية الإدارية وبسبب تركز السلطة بيد الوزراء وفئة قليلة من الرؤساء والإداريين، تؤدي إلى قتل روح المثابرة والإبداع لدى الموظفين الآخرين، لأن دورهم ينحصر بتنفيذ الأوامر والتعليمات الصادرة من السلطة المركزية، وعدم مشاركتهم فيها”، كما يقول مازن ليلو راضي في “الوجيز في القانون الإداري”.
تلك الملاحظة أبداها أحد أعضاء مجلس الشورى، الدكتور إسماعيل البشري، على وزارة الشؤون الإسلامية خلال مناقشة التقرير السنوي للوزارة، معتبراً: “تعدد المناصب العليا بالوزارة التي تضم الوزير ونائبه وستة وكلاء وستة وكلاء مساعدين و23 مديرا عاماً، (31 قيادياً في وزارة واحدة!)، وجميع أعمال تلك الإدارات متركزة حول الوزير وهو ما يعني مركزية اتخاذ القرار، لا بد من توزيع العمل ليعطي نوعاً من اللامركزية”!
التضخم الإداري في وزارة الشؤون الإسلامية خلق الفوضى الحاصلة في المساجد والجوامع، مع أن لدى الوزارة من توظفهم بوظيفة “مراقب”، بحيث يراقب سير المسجد والجامع، ويرفع للوزارة بالاحتياجات التي يتطلبها المسجد، ومن جهةٍ أخرى يقوم بحماية فكر المجتمع من الخطب الرنانة والطنانة والتي تصمّ آذان الناس بالخطب السياسية والتحليلات الإستراتيجية، وينسى الخطيب وظيفته الأساسية. ولحسن الحظ فإن أعضاء مجلس الشورى ناقشوا هذه التجاوزات. الدكتورأحمد الزيلعي – مثلاً- طالب الوزارة بأن تشدد وتمنع الخطب السياسية ليوم الجمعة، وأتفق معه، ولا يكفي أن يصرح وكيل وزارة بأنه تم تعميم منع الخطب السياسية، لأن التعميم وحده لا يكفي، ها هي تعاميم منع استخدام المكبرات الصوتية في صلوات التراويح والقيام صرخة في وادٍ لا صدى لها، بلا مكبرات صوت!
قال أبو عبدالله غفر الله له: إن الخلل الإداري دائماً لا يكون جزئياً وإنما يعبر عن خلل أعمق في أي مؤسسةٍ أو وزارة، لهذا ليست المشكلة فقط في الأئمة والمؤذنين، ولا في الموظفين الحائرين المربوطين بمركزية إدارية تشل حركتهم وتمنعهم من التمتع بالشراكة في تسيير العمل، المشكلة في “التضخم الإداري” الذي أشرتُ إليه، تضخم يصنع البطء، ويشل إنتاج الوزارة بأكمله.. ليت الوزارات التي أرهقها التضخم تدرس بعناية من قبل المؤسسات المعنية بالتطوير الإداري.. ليت!