بعض القضايا حين تعاود الكتابة حولها تشعر بأن حلقك “سيبحّ” وبأنك ستضطر إلى شرب الماء مراراً، والاستعانة ببعض الملطّفات لتبريد نار الحديث عن مسألةٍ حساسة وحيوية مثل “السياحة الداخلية” ومقارنتها بالإقبال السعودي على “السياحة الخارجية”. يعترف حتى المسؤولون في هيئة السياحة أن إتمام كل أسباب نجاح السياحة الداخلية تعيقه بعض الحصون الثقافية. خذوا نفَساً عميقاً قبل قراءة الرقم الخرافي الذي يصرفه السعوديون على السياحة الخارجية، إنهم يصرفون فقط: “60 مليار ريال”!
العائق الثقافي مهم، بعض العائلات لا تحتمل السلوكيات الاجتماعية لدى البعض، مثل التلصص، والمعاكسات، أو النصح المبالغ فيه، وملاحقة الهيئات والمحتسبين لمقاسات لبس الفتيان والفتيات، كل هذه تعد من الأسباب الثقافية، بينما نرى في المطارات عائلات تضع فور الوصول حجاباً إسلامياً عادياً يكشف الوجه مع الحفاظ على القيم الدينية التي نشأوا عليها، من دون أن يمنعهم أحد عن فعل شيء، أو أن ينصحهم أحد بفعل شيء، إنها الفردانية التي تعزز قيمة الإنسان في البلد الذي يذهب إليه، وهذا السبب من أبرز محفزات ومنشطات السياحة الخارجية. نعم إن العائلات والأفراد يريدون أن يشعروا بمسؤوليتهم الفردية ضمن القيم الدينية، وهذا ما تؤمنه لهم الحرية في البلدان الأوروبية أو بعض البلدان العربية، لكن من يستمع إلى هذه الملاحظة ومن يحل هذا الخلل؟
العائق الثاني عائق خدماتي، بدءاً من الخطوط السعودية التي تمر علاقتها بالمجتمع بحال من الارتباك بسبب العتب الاجتماعي عليها، مروراً بعدم وجود وسائل نقل بديلة للسيارات، حيث لا توجد قطارات مثلاً تسهل للناس الذهاب إلى الأماكن السياحية، لا نزال في قطاع النقل نعيش في أمكنتنا، ليت أن هناك قطارات تصل الشرقية بالغربية، والشمال بالجنوب، بحيث تسهل سبل التنقّل السياحي للعائلات والأفراد بسهولة مثلنا مثل غيرنا من دول العالم، وبخاصةً أننا لا نعاني من عوائق اقتصادية، بل نحن دولة غنية بكل المقاييس، لكن المشكلة في الإقرار والتنفيذ، والمسافة بينهما، وأخص بالذكر المسافة الزمنية التي نعاني منها!
قال أبو عبدالله غفر الله له: ستون مليار ريال ينفقها السعوديون على السياحة الخارجية، بعد أن حاولت هيئة السياحة أن تجذب السعوديين إلى وطنهم، لكنها محاولات باءت بالفشل، حين يقارن السائح بين سعر الغرفة في فندق في أبها بسعر غرفة في فندق في لندن أو باريس فإنه لن يتردد في الذهاب إلى تلك المدن.. هذه هي الفكرة التي آمل أن لا تصدم أحداً، أكتبها وصوتي مبحوح من هول الرقم الذي ذكرت!