أرجو ألّا تطول غيبة الصديق تركي الدخيل في عالم الدبلوماسية، وأن يعود سريعًا إلى الميدان الذي صنع نجوميته، وشكّل حضوره خلال العقود الثلاثة الماضية. وأرجو مخلصًا أن يكون قادرًا على لجم ذلك الإعلامي المثير للجدل، الصانع للحدث، وألّا ينزلق في لحظة شوق إلى بيته الأول، بموقف يخرجه من جنة الدبلوماسية، ويعيده للبحث من جديدٍ عن المتاعب.
قد لا يكون تركي الدخيل، أولَ إعلامي عربي ينتدب للعمل الدبلوماسي، لكن المؤكد أن كثيرين سينظرون إليه دائمًا، على أنه الابن الضال عن المهنة، في لحظة تقاطع فيها تكريم مستحق، لمسيرة إعلامية طويلة حافلة بالعطاء والتميز، مع كفاءة شخصية وعلاقات واسعة جعلته الاختيار الأصلح، والنموذج الأقدر على القيام بدور الدبلوماسي ”السهل الممتنع“، المُعتمد كتعبير عن الجودة، ووسم للكفاءة والتميز.
من يغبط – حتى لا نقول يحسد – تركي الدخيل على الثقة التي نالها بتعيينه سفيرًا لبلاده في الإمارات، عليه إعادة النظر في انطباعه المتسرّع هذا، فالرجل ينتدب لمهمة قد يكون من الصعب أن يضيف لها شيئًا، فالعلاقات بين الإمارات والسعودية علاقات مثالية، والانسجام في الرؤى، والتقاطع في الأهداف واضح في كل المستويات، وعلى مختلف الصعد.
وفي الوقت نفسه، فإن رجلًا له هذه الشبكة الواسعة من العلاقات الشخصية، وله مثل هذا الحضور الذكي في العديد من المجالس، والمحافل يواجه تحديًا صعبًا، ومهمة معقدة. فهو مطالب بتقديم إضافة نوعية لعلاقات ثنائية قريبة من الكمال، وزيادة رصيد النجاحات التي حققها في مسيرته الإعلامية السابقة، وإضافة المزيد منها في عمله الدبلوماسي الجديد.
والذين يعرفون تركي الدخيل من زملائه في المهنة، يعرفون أنه مدمن نجاح، ومريض مزمن بالتفوق. فمنذ أن كان محررًا مبتدئًا في الصحف الورقية التي عمل بها، كانت له بصمة معروفة في الكثير من الأخبار، والانفرادات التي كان يحققها ويغبطه عليها من سبقوه في المهنة، وتجاوزوه في التجربة. ولذلك لم يكن غريبًا أن يتدرج بالمهنة بسرعة، وأن تتخاطفه العروض التي جعلته باقتدار ورقة رابحة تتطلع إليها كلّ وسائل الإعلام.
ومع أن مدة ثلاثين عامًا في المهنة ليست قصيرة، إلا أن النجاحات التي حققها تركي الدخيل في محطات عمله العديدة، تجعله بطلًا في القفز على الحواجز، والانتقال من نجاح لآخر في زمن قياسيّ، ومدّة وجيزة.
لم تكن الكفاءة المهنية وحدها هي التي ساعدت الدخيل فيما حققه من نجاح، بل كانت الصفات الشخصية من أبرز السمات التي ساعدته على استقطاب الصداقات والمعارف، وتوسيع دائرة الأصدقاء باستمرار. كان حاضر البديهة باستمرار، ساخرًا يرسم البسمة على وجوه من يستمع له، لكنه كان في الوقت نفسه، مستفزًا ومثيرًا للجدل. امتلك جرأة وثقة بالنفس جعلته محاورًا مثيرًا للدهشة حتى لدى من خاصموه وناصبوه العداء. لم تقف الثقافة لديه عند حدود البريق الذي تعطيه الصحافة لنجومها، بل حرص على الاستزادة وتوسيع معلوماته وتطويرها من خلال البحث المتعمق والقراءة المتفحصة والمتابعة المستمرة.
عندما دخل تركي الدخيل بلاط صاحبة الجلالة، صعد الدرج درجة درجة، وبذل جهدًا كبيرًا في الوصول إلى النجومية والتألق، وهو اليوم يهبط بالبراشوت فوق برج الدبلوماسية.
ومع أن صعود الدرج كان صعبًا ومرهقًا، إلا أن الهبوط بالبراشوت لا يخلو من مخاطر، حتى لو بدا للبعض مغامرة ممتعة.