تحدّثت وسائل الإعلام الإقليمية والدولية طوال الأيام الماضية عن معنى السعادة ووزارتها في الإمارات. من قائل إنها شكلية، إلى معتبر أنها ترف إداري!
بعض وسائل الإعلام لديها غيرة مذمومة تجاه الإمارات، ولذلك لم تفهم المقصود من هذه التغييرات. لحسن الحظّ أن صاحب هذه المبادرة والفكرة كتب مقالةً موسعة يشرح فيها أهمية وجود وزير للسعادة. صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد سأل: «وزراء للتسامح، والسعادة، والمستقبل، لماذا؟». من الصعب بالطبع إقناع من لا يريد أن يقتنع، أو من أغلق ذهنه، بأن مشاريع الإمارات ليس ترفاً أو استعراضاً بل هي مشاريع حقيقية واقعية نبعت من حاجة، وإن لم تكن آنية، لكنها مستقبلية.
ومن لا تقنعهم المنجزات، على تراكمها، يصعب إقناعهم، لسببين أساسيين، الأول: أن المنطقة تموج بشتى الاضطرابات، فهناك أكثر من حربٍ أهلية، وثماني دول محيطة بالخليج وقريبة منها فاشلة اقتصادياً وسياسياً، الثاني: أن التفوّق الذي تشقّ الإمارات طريقها فيه لا يكاد يصدّقه العقل، فالسرعة المهولة التي لا يدركها إلا من عاش في الإمارات وعصر التقدّم، من هنا يكون في الشرح صعوبة لمن لم يلمس التطور أو يعش بعضه.
رأى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن: «السنوات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط (الجديد) علمتنا بأننا نحتاج أن نتعلم التسامح ونعلمه ونمارسه، أن نرضعه لأطفالنا فكراً وقيماً وتعليماً وسلوكاً، أن نضع له قوانين وسياسات ومنظومة كاملة من البرامج والمبادرات. نعم تعلمنا ذلك من مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين والمنكوبين الذين رأيناهم في آخر خمس سنوات في هذه المنطقة بسبب التعصب والكراهية وعدم التسامح الطائفي والفكري والثقافي والديني».
بالطبع، الإمارات سباقة على مستوى المنطقة في موضوع مناهضة خطاب الكراهية والطائفية، إذ وضعت قوانين صارمة لمواجهة أي نبرة طائفية تحدث في المجتمع، وقد طبّق هذا القانون على حالات متعددة من بينها أحد المستهترين بديانةٍ من الديانات قبيل رأس السنة.
في الإمارات أكثر تعددية للجنسيات في المنطقة، وربما في العالم، أكثر من مئتي جنسية، وعشرات الديانات الأخرى تقيم باحترامٍ وتقدير، يتعايشون ضمن القانون الضابط لإيقاع حركة الناس، والحازم على المخالفين له، فلا محاباة ولا مجاملة مع الناشرين للكراهية، والعنف، والإرهاب.
التسامح «ليس فقط كلمة نتغنى بها، بل لا بد أن يكون لها مؤشرات ودراسات وسياسات، وترسيخ سلوكي في مجتمعنا لنصون مستقبله ونحافظ على مكتسبات حاضرة»، كما يرى محمد بن راشد.
شعارات التسامح موجودة في كل الدول العربية، وتغصّ بها وسائل الإعلام، والكتب التي تنظّر حول التسامح لا تعدّ ولا تحصى، لكن العمل على تحويل التسامح إلى مؤسسة إدارية ترعى الموضوع وتنشره بين المجتمع بكل فئاته، ومن جهةٍ أخرى وضع قوانين كالمسطرة، تحمي التسامح من الاختراق، هذا هو الذي يحوّل التسامح من شعار إلى مؤسسة وواقع وعمل وسلوك حياتي طبيعي غير متكلّف، وإنما نشأ بالتربية ثم حُرس بالقانون وضبط إيقاعه بالمؤسسة.
هذه التجربة الإماراتية أشرقت بها جميع دول الخليج مستبشرةً ومغتبطة، ولعل عدوى إيجابية تحدث بين الدول، لرسم معالم الخروج من الطائفية والثنائيات المدمرة، والهويات المغلقة، والانفتاح على الثقافات والأديان، فالعالم أبعد من أرنبة أنوفنا، والأمم لها تاريخ وحواضر ولديها انفتاح على المستقبل.
صدقوني، بلا تسامح، لن تصنع سعادة، ولن تحقق ريادة، وستبقى في دركات التخلف بلا هوادة!