الخيال الذهني لدى البعض عن دبي لا يتجاوز شبكة الناطحات، وضخامة المولات! بالطبع هذه صورة نمطية نشأت من خلال سطحية الرؤية، وفقر الزوايا التي ينظر بها البعض للمدينة.
فهي معولمة، تؤوي مئات الجنسيات والأعراق والألوان وتتعايش، أيادٍ متنوّعة الدين والهوية، تنهض بمدينةٍ فريدة. لم تقلد أحداً، ولم يستطع أحد تقليدها. كسرت الأرقام وبدلت المعادلات، ونقضت التوقعات، دخلت دبي عبر مشاريع متشعبة لقيادة التغيير الفكري الإماراتي، والعربي عموماً.
تحدثتُ في سلسلة المقالات الماضية عن بعض المشاريع الثقافية، هذه المرة سأتوقف عند قانونٍ صدر الأسبوع الماضي، إذ أصدر الشيخ محمد بن راشد قانوناً بإنشاء مكتبةٍ ثقافية، وقد شرح غايات هذا المشروع وأهدافه.
الهدف بحسب القانون أن تكون: «المكتبة ملتقى ثقافياً، وحاضنةً معرفية ومركزاً حضارياً في المنطقة، ومساهمة في ترسيخ القراءة وتحويل الثقافة إلى منتج مجتمعي يرفد المسيرة التنموية في الدولة.
المكتبة بما ستوفره من معارف، ستعمل على تنشيط حركة التأليف والترجمة والتقريب بين المثقفين والمفكرين، وإرساء ثقافة الحوار والتسامح وقبول الآخر. وغرس شغف المعرفة وحب الاطلاع في نفوس الأطفال والأجيال المقبلة، وتوفير ملتقى للأدباء والمُثقّفين والمترجمين والباحثين من مختلف الجنسيّات والثقافات من كافة دول العالم.
والمساهمة في الحفاظ على اللغة العربية والحرص على إثرائها، وتشجيع الكُتّاب، والأدباء، والهواة الواعدين، والمترجمين على تعزيز الإنتاج الفكري باللغة العربية، والمُتَرجَم في مختلف مجالات العلوم والفنون، كما تهدف المكتبة إلى الحفاظ على الموروث الثقافي وتوثيقه».
هدف المكتبة أكبر من كونها مرجعاً للباحثين في الجامعات، أو المنقبين في المخطوطات، أو المدمنين على القراءة والاستعارة، بل لها رسائل ثقافية، منها ترسيخ موضوع القراءة في نفوس الأجيال بشتى الأعمار، غرس قيم التسامح، والتعامل الإيجابي مع الآخر.
المكتبة أكبر من مستودع جامد يحوي مئات الكتب، بل لها مسؤولياتها، وحين عيّن أعضاء مجلس إدارة المكتبة من الأكاديميين، والمثقفين، والمهتمين بالنشر والكتاب، أوصاهم الشيخ محمد بن راشد بتلك الرسائل لوضعها ضمن استراتيجية انطلاق المكتبة وتدشينها.
المكتبة ستؤسس بكلفة بلغت مليار درهم، وبمساحات تتخطى مليون قدم مربع، حيث ستضم أكثر من 1.5 مليون كتاب، كما ستستقبل نحو 42 مليون مستفيد سنوياً من المنطقة ومختلف أنحاء العالم، وإلى جانب المكتبة الرئيسية، ستكون هناك ثماني مكتبات متخصصة، من بينها مكتبة للأطفال ومكتبة للشباب، وثالثة للأعمال!
القانون ينص على تولي «مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم»، الإشراف العام على المكتبة، والقيام بالمهام والصلاحيات اللازمة لتحقيق أهداف المكتبة، من بينها رسم السياسات العامة، والخطط الاستراتيجية الشاملة لتنفيذ الرؤية الثقافية والمعرفية للمكتبة وتحقيق أهدافها، وتعزيز وعي المجتمعات بهذه الرؤية محلياً، وعربياً، وعالمياً.
تقود دبي عبر هذه المكتبة مبادرة ثقافية تتجاوز القراءة المنعزلة، من دون تحويل المقروء إلى وسيلة تأثير. فالكتاب لا حدود لمعجزاته، وآثاره، وفي مدينةٍ مثل دبي، فتيّة، تحتاج إلى هذه المكتبة، يتحدث محمد بن راشد في حوارٍ متلفز مع صحافي غربي، أن معظم العمران والمشاريع التي يراها لم تكن إلا صحراء قاحلة في عام 2000، نتحدث عن نهضة حديثة للغاية، ولم تأتِ المكتبة متأخرةً كما يزعم البعض، بل هي امتداد لجهود ثقافية كبرى أقيمت بدبي.
دبي ليست مجرد أسواق، ومبانٍ، وناطحات، ومتاجر تغري بالتسوّق، بل كل ذلك مع مكتباتٍ، ومشاريع قراءة، وأدوات حوار، وصالونات نقاش، وحراك ثقافي وفكري وروائي، ويشهد على ذلك من زار معارض الكتاب بالإمارات، ورأى حركة النشر في البلاد.
مكتبة محمد بن راشد جوهرة ثمينة أخرى، على عنق دبي الجميل.