خلال توقيع المؤلف كتاباً جديداً له، يقف على ردود أفعال القراء على نتاجه، وتفاعلهم معه، وهي حالة لم تكن متوافرة بذات الحجم، قبل تيسر التنقلات، وكثرة المعارض الثقافية، والفعاليات المختصة بالكتب.
خلال توقيع العبد الفقير إلى الله، كتابه الجديد: «التسامح… زينة الدنيا والدين»، قال لي أحد الفضلاء الذين وقعت لهم، إني كنت أكرهك، لكني بعد أن تعرفت عليك أصبحت أحبكم.
توقفت عند عبارته، وسألته: عبارتك، سيدي، تدل على أنك تعرفت عليّ أخيراً؟ أجاب بالإيجاب. سألته: كيف كرهتني دون أن تعرفني؟ فأفاد، بأنه نسخ حكماً عني من مجموعة، دون أن يكلف نفسه عناء السبر، أو البحث، أو محاولة التعرف على شخص ما بالاستقراء والمطالعة ومناقشة ما يطرحه من أفكار.
نحن هنا أمام حالة شائعة، وهي حالة الحكم بتناسخ الأفكار، من شخص إلى شخص. هي حالة أشبه ما تكون بتأجير عقلك لغيرك، ليفكر عنك ويقرر عنك.
هل هي جنوح لتمكين العقل الكسول، بدلاً من إعمال العقل النشط؟!
هل هي حالة من حالات سيطرة فكر حركي، وبنائه في المجتمع عقلاً جمعياً لا يصدر إلا عما يقره الحركيون، ولا يحب إلا من يحبون، ويكره من لا يقر لهم بالولاء والتبعية؟!
الحقيقة، المؤلمة أن ما سبق صحيح، مع شديد الأسف!
الطيبون من أمثال الفاضل الذي أكرمني بحضور التوقيع، لا يقبلون بأن يقول له أحدهم عليك بشراء الطماطم لمنزلك من هذا المتجر، وهو يعلم أن منتوجات المتجر متوسطة المستوى. ولا العكس.
لكنه سلّم له عقله، دون أن يعي أنه أجّر عقله مجاناً، لهذا الشخص، أو هذه الفئة، أو هذه الجماعة.
والدليل، أنه أصدر حكم الكره، وهو حكم صعب وخطير، بمجرد أن ختم له شخص آخر بختم يحمل كلمه (يستحق أن تكرهه)، دون شرح للأسباب، ولا تقديم للأدلة، أو سياق للبراهين!
قد يكون التسبيب كامناً في كلمة خطيرة، ومستفزة لمشاعر كل مؤمن: إنه يعادي الدين! لكن هيهات أن ترد تفاصيل، وأدلة، وكيف وصلت إلى هذا الحكم الخطير!
ملمح آخر، يمكن إيراده عند الحديث عن مشاعر الكراهية، التي تجتاحنا دون وعي منا، ولا تمحيص، أو إدراك، عندما يلاحقك في وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، شخص ليعلن لك أنه يكرهك!
من حق كل شخص أن يتخذ موقفاً تجاه الآخر، لكن لو سلمنا بمنطقية الكراهية، فما الذي يدعوك لمتابعة من تكره، وقراءة ما يكتب، وتتبع ما يصدر؟!
أهي حالة من المازوشية، نمارسها مع أنفسنا، بحثا عما يؤذيها، إذ تتبع من تكرههم مؤذ للعقلاء؟!
الغالب أننا لم نستطع تحديد ما تعنيه الكلمة بشكل كامل ومحدد، فربما كنت لا تستعذب أفكار فلان، وهذا لا يعني أنك تكرهه. قد لا يعجبك أسلوبه، أو منهجه…
الفيلسوف ديكارت، رأى أن الكراهية هي إدراك أن هناك شيئاً سيئاً في المجتمع، مع الرغبة في الانسحاب بعيداً عنه. أما أرسطو، فاعتبر الكراهية هي الرغبة في إبادة الكائن المكروه! (انظر: ويكيبيديا)
والغالب إنْ تمكّنَ شعورُ الكراهية من نفس الكاره، فذلك يعزز احتمالية أن يدمر هذا الشعور صاحبه مع الوقت.
*سفير المملكة في الإمارات
جميع الحقوق محفوظة 2019