مع التأكيد المطلق على متانة العلاقات الأزلية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، على اختلاف العهود؛ إلا أن المتابع للشأن السياسي بوسعه أن يلحظ بجلاء مقدار الترابط والانسجام والتناغم الكبير الذي يرسم العلاقة بينهما في السنوات الأخيرة، ودافع ذلك أسباب عديدة، ومتغيرات إقليمية وعربية ودولية شهدتها الساحة السياسية بآخرة، الأمر الذي دفع قيادة البلدين إلى تفعيل هذه العلاقات بشكل عملي، رصده الأستاذ تركي بن عبدالله الدخيل، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الإمارات العربية المتحدة، في محاضرة ألقاها في مقر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتجية بتاريخ 31 يوليو 2019م، تحت عنوان «العلاقات السعودية – الإماراتية في ضوء التحديات المشتركة»، والتي أصدرها المركز فيما بعد في كتاب تجاوزت صفحاته المائة، من القطع المتوسط، حيث يشير المؤلف في «تمهيد» الكتاب إلى أن المملكة ودولة الإمارات سعتا لتطوير العلاقة الأخوية بينهما، والارتقاء بها لتكوين تحالف يتعامل بواقعية عملية أولاً، مع تحديات الاضطرابات العميقة التي هزت العالم العربي بداية من سنة 2011م، وتجعل من ذلك منطلقًا لفتح آفاق التعاون وتوسيع أوجه العمل المشترك في المجلات كافة.
ويشير الدخيل في مقدمة كتابه إلى وصية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، -طيّب الله ثراه-، التي أوصي بها أبناءه في آخر أيام حياته؛ ومفادها «توثيق العلاقات مع المملكة العربية السعودية»، ثم يشير إلى تغريدة غرد بها الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، على حسابه في موقع «تويتر»، يوم 11 فبراير 2019م، والتي جاءت معمقة لذات النهج الداعي إلى توثيق العلاقات بين المملكة والإمارات.
وعلى أساس القاعدة التي أشار إليها المؤلف في تمهيد الكتاب، حول العلاقة بين المملكة والإمارات، وأساسها «تكوين تحالف يتعامل بواقعية عملية مع تحديات الاضطرابات العميقة»، يمضي المؤلف في بيان الخطوات العملية التي قامت بها الدولتان، ومن ذلك الدخول في تحالف إستراتيجي متين في العام 2015م، والاشتراك معًا في الدفاع عن الشرعية في اليمن، بمواجهة مليشيا الحوثي الإرهابية، المدعومة من النظام الإيراني، كما يعطي المؤلف لمحات عن مواقف الدولتين ونهجمها المتوازن في تدبر الشأنين العربي والإقليمي قديمًا وحديثًا، والدعم الذي قدمته المملكة لتكوين، وتشكيل مجلس التنسيق السعودي – الإماراتي، في 16 مايو 2016م، وما تبع ذلك من اجتماعات وتفعيل لبنود الاتفاقيات بين البلدين، ويعرض المؤلف لمظاهر التعاون الاقتصادي الوثيق بما عزز العلاقة بين الدولتين، ومساعيهما المشتركة في مكافحة التطرف ومواجهة تيارات الإسلام السياسي، معتبرًا أن «عاصفة الحزم» التي أعلنتها المملكة في مارس 2015م، مثّلت ترجمة وتتويجًا لمتانة التكامل السعودي – الإماراتي، راسمًا من ثم صورة لمستقبل هذه الشراكة في ضوء تحدي الأخبار الكاذبة التي تولتها بعض الدوائر الإعلامية بصورة منهجية ضد المملكة والإمارات؛ محددًا 4 خطوات لهزيمة هذه الحملات الإعلامية المغرضة، ومفادها:
1- استعادة الدين من مختطفيه من الجماعات المتأسلمة، وصونه من أيدي العابثين المستغلين له.
2- حماية فكرة الدولة ومؤسستها من الجماعات التي تريد تحطيم الدولة لمصلحة فكر الجماعة، بغية الوصول إلى الحكم تحت غطاء الدين.
3- ضمان استقلال القرار الوطن عن توجيهات الأيادي الخارجية، سواء التي تتعاون مع الأعداء ضد الوطن، أو تلك التي تتحرك بموجب بيعة لمرشد يتحكّم فيها، وفقًا لمصالح لا تعتدُّ بالأوطان.
4- تعزيز هوية المواطن، وتأمين مستقبل الأجيال القادمة في المنافسة عبر ترسيخ منظومة القيم الأخلاقية العصرية، الداعية للتسامح والانفتاح، من دون تأثير في القيم الأساسية.
ويختم الدخيل كتابه بمثل ما ابتدأ به من تقريظ للعلاقة بين المملكة والإمارات بقوله: «إن النموذج الناجح في العلاقات السعودية الإماراتية، سيكون مثالًا حقيقيًا وواقعيًا لتطوير العلاقات العربية – العربية، والفضل في ذلك للسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، في إعادة التعاون العربي، وإحياء مؤسسات العمل المشترك.