عادة ما تكون الولادات المتأخرة، مظنة خطر، فقد جرت السنن الكونية أن يكون الشباب بداية القطاف، وينضج المحصول بالتقادم، حتى إذا كانت الكهولة جاوز القِطاف القنطرة، وأينع الزرع. لكن أبا يعرب، وهو ممن غلبت كنيته اسمه، أعني المثقف السعودي، والوّراق الراصد باحترافية، لسير الشخصيات السعودية، والمهن، وبدايات التوجهات المجتمعية، محمد عبدالرزاق القشعمي، قلبَ العادةَ، ونقضَ العُرف.
أبو يعرب، المولود بالزلفي في 1944، وإن كان مشهوراً بإدمانه على القراءة، حتى بات لقب (دودة الكتب)، من مرادفات نعوته، إلا أنه لم يضع مصنفاً قبل أن يبلغ نصف قرنٍ من الزمان، وازداد من السنين فوقها خمساً.
القارئ النهم، والمثقف الشغوف بالمعلومة، لم يكن قبل أن يدفع أول مصنفاته في الخامسة والخمسين من عمره، يتوقع قبل ذلك، أنه من أهل الكتابة، لكن العشق، يعيد الشيخ صبياً، كما يقال، فقد عشق القشعمي القراءة، حدّ الشغف، وأحبّ شخصية ريادية سعودية فذّة، هي شخصية (سادن الأساطير والأمثال: عبدالكريم الجهيمان)، وأدرك أبا يعرب أن واجبه تجاه شيخه الوقور، وأستاذه الألمعي، تقديم ما يليق به، فكانت فكرة كتابه الأول عن الجهيمان، وعنونه بـ (سادن الأساطير والأمثال).
صحيح أن القشعمي جاء متأخراً، لكنه صنّفَ خلال عقدين وزيادة من الزمان، أكثر من أربعين كتاباً، كأن علي بن الجهم يتحدث عنها، حين أنشدَ:
فَسَارَ مَسيْرَ الشَمسِ في كُلِّ بَلدَةٍ ** وهَبَّ هَبُوبَ الرِيحِ في البَرِ والبَحْرِ
كتب القشعمي مقالاً يحتفي ببلوغ الجهيمان السبعين، ولا زلت أتذكر كيف أسرتني عبارته المتألقة، قائلاً عَرَضاً عن الجهيمان «وهو في سبعينيته الأولى…»، وبما أن أبا حيان التوحيدي يقول في (البصائر والذخائر)،:«وأكرهُ التكرارَ لسوء ظَنِّي بالسامع، وإلا فلا مُصَنِّفٌ، إلا وهو يَلهَجُ بالتكرير والإعادة»، فأستأذن أبا يعرب، لأستعير عبارته، فأقول: «إن القشعمي، وهو يمخر عباب سبعينيته الأولى، أدام الله صحته، باتَ يغرف في مصنفاته، لثقافتنا من بحر دأبه، ويسقي روافد البحث في بلادنا، من لآلئ ثمين صيده، ومن استعذب الطعم الحلو قَمِن أن يدمنه، فلا حُرِمنا نتاج سبعينيتك الثانية».
ولا تقتصر جمالية قصة أبي يعرب، في تأخر التصنيف، وإتقانه رغم الكثافة، بل إن تطوافاً بموضوعات مؤلفاته، يجعل المتأمل، يعجب من براعته في اختيار الموضوعات، التي لا تخطر في الذهن التقليدي، ويطربُ لذكاء انتقاء العناوين والمباحث الشيقة.
فمن كتبه: «فصول من السيرة الذاتية» 2000، و«سادن الأساطير والأمثال: عبد الكريم الجهيمان» 2001، و«البدايات الصحفية في المملكة العربية السعودية: 1 المنطقة الشرقية» 2003، و«عبد الكريم الجهيمان.. عطاء لا ينضب» 2003، و«ترحال الطائر النبيل: سيرة عبد الرحمن منيف» 2003، و«سليمان بن صالح الدخيل: صحفياً ومؤرخاً ومفكراً»، و«بدايات الطباعة والصحافة في المملكة العربية السعودية» 2004، ومن لطائف مصنفاته أنه تتبع في الصحافة السعودية من كتب باسم مستعار، مبيناً أسماءهم المستعارة والحقيقية في كتابه: «الأسماء المستعارة للكتاب السعوديين» 2005، و«صحيفة أم القرى: نبذة تاريخية موجزة» 2005، و«رواد المؤلفين السعوديين» 2006، و«عبد الله الناصر الوهيبي: الماهر.. الساخر» 2007، بل وضع كتاباً في «إهداءات الكتب» 2008، و«رواد الصحافة السعودية، صحافة الأفراد» 2008، و«رحلة العمر والفكر: عبدالكريم الجهيمان» 2008، و«معركة الشعر المنثور في الصحافة السعودية قبل نصف قرن» 2008، و«تراجم رؤساء تحرير الصحف في المملكة العربية السعودية» 2007. و«تاريخ الصحافة في المملكة العربية السعودية» 2008، و«عبدالرحمن منيف في عيون مواطنيه» 2009، ووثق زيارة عميد الأدب العربي للسعودية في كتابه: «طه حسين في المملكة العربية السعودية» 2009، و«عشر سنوات مع القلم» 2011، و«الكتاب السعوديون في مجلة صوت البحرين» 2011، و«بدايات وما قيل عنها» 2011، كما ترجم للمبدع الراحل «عابد خزندار مفكراً ومبدعاً وكاتباً» 2013، وامتدت موضوعات أبي يعرب حتى كتب عن «الطيران في المملكة العربية السعودية» 2013، وترجم لأول وزير نفط سعودي: «عبد الله الطريقي مؤسس الأوبك، والمُمهد لسعودة أرامكو» 2015، وبحث في مصنفٍ «بوادر المجتمع المدني في المملكة العربية السعودية» 2012، كما وضع سيرة ذاتية عن: «حمود البدر.. البَرّ الكريم» 2014.
ومن أفكاره اللامعة تتبعه رصداً وتوثقاً أزمة «الفكر والرقيب» 2016، وهو كتابٌ لم يُفسح، فكان أوسع كتبه انتشاراً، إذ جاوزت طبعاته خمس طبعات، وكتاب «أعلام في الظل» 2018، إضافة إلى «البدايات الصحفية في المملكة العربية السعودية: 3 المنطقة الغربية» 2018، و«المجلة العربية من البدايات حتى عصر الميديا.. 40 سنة من العطاء الثقافي» 2018.
* السفير السعودي لدى الإمارات.عادة ما تكون الولادات المتأخرة، مظنة خطر، فقد جرت السنن الكونية أن يكون الشباب بداية القطاف، وينضج المحصول بالتقادم، حتى إذا كانت الكهولة جاوز القِطاف القنطرة، وأينع الزرع. لكن أبا يعرب، وهو ممن غلبت كنيته اسمه، أعني المثقف السعودي، والوّراق الراصد باحترافية، لسير الشخصيات السعودية، والمهن، وبدايات التوجهات المجتمعية، محمد عبدالرزاق القشعمي، قلبَ العادةَ، ونقضَ العُرف.
أبو يعرب، المولود بالزلفي في 1944، وإن كان مشهوراً بإدمانه على القراءة، حتى بات لقب (دودة الكتب)، من مرادفات نعوته، إلا أنه لم يضع مصنفاً قبل أن يبلغ نصف قرنٍ من الزمان، وازداد من السنين فوقها خمساً.
القارئ النهم، والمثقف الشغوف بالمعلومة، لم يكن قبل أن يدفع أول مصنفاته في الخامسة والخمسين من عمره، يتوقع قبل ذلك، أنه من أهل الكتابة، لكن العشق، يعيد الشيخ صبياً، كما يقال، فقد عشق القشعمي القراءة، حدّ الشغف، وأحبّ شخصية ريادية سعودية فذّة، هي شخصية (سادن الأساطير والأمثال: عبدالكريم الجهيمان)، وأدرك أبا يعرب أن واجبه تجاه شيخه الوقور، وأستاذه الألمعي، تقديم ما يليق به، فكانت فكرة كتابه الأول عن الجهيمان، وعنونه بـ (سادن الأساطير والأمثال).
صحيح أن القشعمي جاء متأخراً، لكنه صنّفَ خلال عقدين وزيادة من الزمان، أكثر من أربعين كتاباً، كأن علي بن الجهم يتحدث عنها، حين أنشدَ:
فَسَارَ مَسيْرَ الشَمسِ في كُلِّ بَلدَةٍ ** وهَبَّ هَبُوبَ الرِيحِ في البَرِ والبَحْرِ
كتب القشعمي مقالاً يحتفي ببلوغ الجهيمان السبعين، ولا زلت أتذكر كيف أسرتني عبارته المتألقة، قائلاً عَرَضاً عن الجهيمان «وهو في سبعينيته الأولى…»، وبما أن أبا حيان التوحيدي يقول في (البصائر والذخائر)،:«وأكرهُ التكرارَ لسوء ظَنِّي بالسامع، وإلا فلا مُصَنِّفٌ، إلا وهو يَلهَجُ بالتكرير والإعادة»، فأستأذن أبا يعرب، لأستعير عبارته، فأقول: «إن القشعمي، وهو يمخر عباب سبعينيته الأولى، أدام الله صحته، باتَ يغرف في مصنفاته، لثقافتنا من بحر دأبه، ويسقي روافد البحث في بلادنا، من لآلئ ثمين صيده، ومن استعذب الطعم الحلو قَمِن أن يدمنه، فلا حُرِمنا نتاج سبعينيتك الثانية».
ولا تقتصر جمالية قصة أبي يعرب، في تأخر التصنيف، وإتقانه رغم الكثافة، بل إن تطوافاً بموضوعات مؤلفاته، يجعل المتأمل، يعجب من براعته في اختيار الموضوعات، التي لا تخطر في الذهن التقليدي، ويطربُ لذكاء انتقاء العناوين والمباحث الشيقة.
فمن كتبه: «فصول من السيرة الذاتية» 2000، و«سادن الأساطير والأمثال: عبد الكريم الجهيمان» 2001، و«البدايات الصحفية في المملكة العربية السعودية: 1 المنطقة الشرقية» 2003، و«عبد الكريم الجهيمان.. عطاء لا ينضب» 2003، و«ترحال الطائر النبيل: سيرة عبد الرحمن منيف» 2003، و«سليمان بن صالح الدخيل: صحفياً ومؤرخاً ومفكراً»، و«بدايات الطباعة والصحافة في المملكة العربية السعودية» 2004، ومن لطائف مصنفاته أنه تتبع في الصحافة السعودية من كتب باسم مستعار، مبيناً أسماءهم المستعارة والحقيقية في كتابه: «الأسماء المستعارة للكتاب السعوديين» 2005، و«صحيفة أم القرى: نبذة تاريخية موجزة» 2005، و«رواد المؤلفين السعوديين» 2006، و«عبد الله الناصر الوهيبي: الماهر.. الساخر» 2007، بل وضع كتاباً في «إهداءات الكتب» 2008، و«رواد الصحافة السعودية، صحافة الأفراد» 2008، و«رحلة العمر والفكر: عبدالكريم الجهيمان» 2008، و«معركة الشعر المنثور في الصحافة السعودية قبل نصف قرن» 2008، و«تراجم رؤساء تحرير الصحف في المملكة العربية السعودية» 2007. و«تاريخ الصحافة في المملكة العربية السعودية» 2008، و«عبدالرحمن منيف في عيون مواطنيه» 2009، ووثق زيارة عميد الأدب العربي للسعودية في كتابه: «طه حسين في المملكة العربية السعودية» 2009، و«عشر سنوات مع القلم» 2011، و«الكتاب السعوديون في مجلة صوت البحرين» 2011، و«بدايات وما قيل عنها» 2011، كما ترجم للمبدع الراحل «عابد خزندار مفكراً ومبدعاً وكاتباً» 2013، وامتدت موضوعات أبي يعرب حتى كتب عن «الطيران في المملكة العربية السعودية» 2013، وترجم لأول وزير نفط سعودي: «عبد الله الطريقي مؤسس الأوبك، والمُمهد لسعودة أرامكو» 2015، وبحث في مصنفٍ «بوادر المجتمع المدني في المملكة العربية السعودية» 2012، كما وضع سيرة ذاتية عن: «حمود البدر.. البَرّ الكريم» 2014.
ومن أفكاره اللامعة تتبعه رصداً وتوثقاً أزمة «الفكر والرقيب» 2016، وهو كتابٌ لم يُفسح، فكان أوسع كتبه انتشاراً، إذ جاوزت طبعاته خمس طبعات، وكتاب «أعلام في الظل» 2018، إضافة إلى «البدايات الصحفية في المملكة العربية السعودية: 3 المنطقة الغربية» 2018، و«المجلة العربية من البدايات حتى عصر الميديا.. 40 سنة من العطاء الثقافي» 2018.
* السفير السعودي لدى الإمارات.
جميع الحقوق محفوظة 2019