ما المشكلة في محاسبة المقصرين؟ ما الكارثة في رضوخ المقصرين أو المخفقين لأنظمة المحاسبة والمساءلة؟ هذه عادة كونية أصبحت أبجدية لدى الأمم المتحضرة، وصارت سلوكاً اعتيادياً لا يحتاج إلى إعلام أو معارك ولا يحتاج إلى ضجيج.
نعيش آخر أيام مونديال جنوب أفريقيا لكأس العالم 2010. أتمنى أن نأخذ ورقة وقلماً، وأن نسجل الدروس الإنسانية المستفادة من هذه التظاهرة الكونية. هذا النشاط الذي يتابعه كل العالم، كل سكان الكرة الارضية يتابعون هذا النشاط. أتمنى أن نسجل الملاحظات الإنسانية الكبرى. وربما جاز لي أن أذكر هنا بعض الدروس المستفادة من هذا المونديال:
– البرازيل رضخت للاستفزاز، دخلت إلى مباراتها مع هولندا حاملةً معها تاريخها. تظنّ أنها يجب أن تكون نرجسية أثناء اللعب. احتقرت الخصم القوي ولم تحسب له حسابه فأكلها وأخرجها من البطولة. الهدوء هو ما يصنع أهدافنا، والتوتر يشتت أنفسنا، ويضعنا في حالة تخبط فضيع.
– ما خرج منتخب من البطولة ـ من منتخبات الدول المتحضرة ـ إلا وواجه المحاسبة الشعبية والحكومية والبرلمانية. يواجه غضبة مدنية سلمية، تحثه على الاستقالة والرحيل، بعد أن أفلست كل أوراقه. وأتمنى أن نطبّق هذا المبدأ خاصةً وأن منتخباتنا تنهزم كل عامٍ مرةً أو مرتين، من دون محاسبة أو رقابة أو مساءلة.
– أثبتت البطولة أن الإدارة تحتاج إلى عمل كبير يوازي العاطفة الكبيرة. عاطفة مارادونا تجاه فريقه كانت هائلة. أحبّه الناس لتواضعه هذا. حتى أن محللاً إيطالياً رأى أن مارادونا كاد أن يعانق كل من في الملعب! لكن عاطفة مارادونا لم يقرنها بعمل كبير، يكون بحجم عاطفته الكبيرة. من الضروري نشر الحب بين الفريق لكن من الضروري أيضاً نشر روح العمل بين الفريق.
– زمن الكرة تغيّر. انتقلت الكرة من عصر الركض والتسديد والتشتيت إلى زمن التكتيك. بهذا المبدأ انتصرت هولندا على البرازيل وألمانيا على الأرجنتين. المنتخبات الكبيرة تحاول أن تلعب بحمولة التاريخ. بينما الكرة عصيّة على التدجين التاريخي. ما لم تلعب خلال التسعين دقيقة بكل شروط الفوز ستخرج خائباً مهما رُصّع تاريخك بالبطولات.
قال أبو عبدالله غفر الله له: إن المونديال تظاهرة بشرية، مليئة بالدروس، بإمكان أي إنسان أن يقرأ ما لفت نظره من فوارق بين الثقافات المتحضرة وغير المتحضرة. حينها سيعثر على فوارق كبيرة؛ نحتاج إلى سنوات طويلة لنصل إليها. وعلى رأس تلك الدروس محاسبة المقصّرين، وكم هو درس عظيم هذا الدرس!