أكثر السجالات التي دارت بين الإسلاميين والتيارات الفكرية الأخرى كانت “المرأة” محوراً لها، وذلك منذ الثمانينات الميلادية وإلى اليوم. قيادة السيارة. إرضاع الكبير. الاختلاط. السفر من دون محرم. قيادة الطائرة. ممارسة الرياضة. كلها صارت محاور لمعارك حامية الوطيس.
لم نتعامل بعد مع المرأة كشريك، وإنما ما زلنا نتعامل معها كقضية. مثل قضية الكتابة على الجدران، والتأخر عن الطابور الصباحي، مع أن البعض يظن أنه حينما يخضع المرأة لهذا النوع من التناول إنما يكرمها، بينما هو يبخس حقها، ويحولها إلى موضوع لا كفاعل مشارك في رسم كل أشكال الحياة وتشكيلات المجتمع، هذا النقد ينطبق على التيارات المتصارعة في السعودية على حد سواء.
وإذا عدنا بالذاكرة فإنه ومنذ اقتحام جهيمان للحرم المكي والمرأة محورية في الخطاب الديني. احتجّ جهيمان على ظهور المرأة في التلفزيون، منطلقاً من موقف فكري صارم مفاده أن المرأة عبارة عن عورة متحركة لا يمكن أن تبقى إلا في البيت، أو على حد تعبير العامة في أمثالهم: “المرأة ليس لها إلا بيت يسترها أو قبر يضمها”.
تطور الموقف الحاد من المرأة خلال العقود الماضية، ليتحول إلى محور الجدل الرئيسي في صراع التيارات، وكأن قدر المرأة أن لا تكون فقط سلعة إعلانية وتسويقية، بل وسلعة فكرية أيضاً، لهذا لم يتم تناول قضايا المرأة بوصفها إنسانا له متطلبات العيش، وإنما تناولتها التيارات بصفتها ورقة رابحة، وهي موضع النزاع والجدل والحرب!
قال أبو عبدالله غفر الله له: المرأة ببساطة هي الأخت والأم والقريبة والجارة، إنها ليست بعبعاً مخيفاً أو عورة مستديمة، إنها كائن طبيعي يشترك مع الرجل في كثير من الصفات، ولا معنى لتضخيم الخطابات حولها.
لماذا يتناول البعض دائماً المرأة بصفتها موضع الخطيئة، لا موضع الإبداع والإثمار؟
لا يتعاطون مع المرأة بوصفها حاضنة البشرية، ولا مصدر الخصوبة.. لا بصفتها الأم الحنونة، والأخت المحبة، بل تجد معظم الأطروحات حولها تتمحور حول الخطايا وكأنها لعنة وسوأة.
تلك هي الجاهلية الجديدة، أن نعتبر المرأة عاراً يجب الحيطة منه والحذر من تصرفاته.
المشكلة أنه وعلى الرغم من كثافة النتاج السجالي المطروح حول المرأة لم تتطور النظرة للمرأة، ولم يتغير التعامل معها. بل ثبت أن استخدامها في السجالات هو استخدام استهلاكي عبثي يعود على المرأة بالسوء دائماً. وأعظم التطور هو ذلك التطور الذي يتم بصمت، وهو ما تحتاجه المرأة. لكن هل نجيد فنّ الصمت؟!