يؤسس الفراغ السياسي عادةً بؤر صراع وفوضى، العراق بلا حكومة منذ ما يقارب السبعة أشهر، محققاً الرقم القياسي عالمياً. لبنان في حالة فوضى بسبب القرار الظني. اليمن يعيش حالة تفريخ ميليشيوي غير مسبوق، وفي السودان رغبات بالانفصال، وجهات تعارض الانفصال. فضلاً عن حالة موريتانيا وأفغانستان وباكستان، وبقاع العالم الإسلامي بمساحته العريضة. لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ما هو السياق الذي يجمع كل هذه المناطق؟ أظن أن الجواب جاء في كلمة وزير الخارجية سعود الفيصل في قمة “سيرت”.
أحال الفيصل الاضطرابات التي تشهدها المنطقة إلى “الفراغ الاستراتيجي”، الأمر الذي يتيح المجال لتدخل الدول المجاورة. وأتذكر هنا مقولة المفكر مالك بن نبي حينما تحدث عن “القابلية للاستبداد”، بمعنى أن الأعداء لا يبلغون من جاهلٍ إلا بسبب ما بلغه الجاهل من نفسه، لهذا لا يمكن أن نكون أحرص على الدول من الدول نفسها. في لبنان مثلاً هناك زحف مخيف لمستقبل مجهول بسبب توترات “ظنية”. وفي العراق حالة فراغ تاريخي حيث لم تشكّل بعد حكومة، وهو أطول فراغ حكومي في التاريخ بحسب وكالات الأنباء. أما اليمن فهي المنطقة التي تحتاج الدول العربية إلى تقوية الدولة فيها، لأن غياب الدولة يفرّخ الميليشيات، ويحوّل الواقع إلى ساحة للحرب والاضطراب، كما هو الحال في قضية الحوثيين، أو التهديدات والممارسات التي تنسب إلى تنظيم القاعدة، خلافاً للحراك الجنوبي. اليمن هو المكان الأكثرة خطورة، وهو الجزء المحوري الذي إن انفلت ستتأثر الدول المجاورة له والبعيدة على حدٍ سواء، ولا يستبعد إن تقدّمت الميليشيات على الدولة أن نشهد نموذج “طالبان” جديد لكن على الطريقة اليمنية، ووفق ما تسمح به اليمن جغرافياً وقبلياً.
اليمن منذ زمن غابر تعتبر صمام الأمان الأخير لكل من يطلّ على الجزيرة، لكنها أيضاً من قديم الزمان عصيّة على الترويض. اليمن لا تطيق السكون، كما ذكرت ذلك بشكلٍ مطوّل في مقدمة كتابي: “جوهرة في يد فحّام”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: إذا كان لبنان هذا البلد الصغير الذي لا يتجاوز سكانه أربعة ملايين نسمة أخذ كل الاهتمام العربي، فإن اليمن التي تؤوي عشرين مليون إنسان، وتحولت إلى ملجأ للتنظيمات المسلحة المخيفة من الضروري أن تعطيه الدول العربية ولو جزءاً من الاهتمام الذي أعطته للبنان، لئلا يتحول اليمن إلى حديقة خلفية تحاك فيها المؤامرات الميليشيوية ضد دول الجوار، لا سمح الله.