من أغرب الغرائب أن تجد مثقفا قد تحجّر وتسمّر حول أفكاره، فلا يستطيع أن يتزحزح عنها، صار ديناصوراً غير قادرٍ على الحركة أو التغيير. قبل أسابيع رأيتُ ذلك الذي يرعد ويزبد من خلال الشاشة، ناثراً اتهاماته لكل العرب حكوماتٍ وشعوب، ولم يسلم من اتهاماته وشتائمه سوى القلة الذين يشتركون معه في ذات الرأي. ولما تأملتُ وقرأتُ اسمه فإذا به أحد الديناصورات الثورية التي تريد شنق آخر حاكم بأمعاء آخر قسيس، على الطريقة الثورية العتيقة القديمة.
يريد الكثير من الناس أن يغيّروا كل العالم وهم لم يغيّروا أنفسهم، هذا المناضل يريد أن يغيّر كل الحكومات العربية، ويريد أن يعيد تركيبة المجتمع العربي، متسلحاً بمجموعة من الشتائم والصراخ، مع أنه ومنذ أربعين سنة لم يغيّر فكرةً واحدةً من أفكاره، لدى هذا المثقف كل الكتاب العرب ماسونيون، مدعومون من الصهيونية العالمية، مدسوسون من قبل منظّمات دولية وخارجية. وما إن يأتيه اسم كاتب أو اسم مؤسسة إلا ويخلع عليها أعنف الاتهامات وأشدّ الألفاظ النابية الجارحة، من “مدعوم”، إلى “مدسوس”.
لم يتأمل أبداً وجهه في المرآة وكيف أنه يمارس أدوراً خطيرة على المستوى الشخصي والفكري، وأخطر تلك الأدوار “الاتهام”!
المفكر اللبناني علي حرب، هو صاحب مصطلح “الديناصورات”، وهو مصطلح على ما يحمله من طرافة غير أنها طرافة وصفية تشرح الكثير من الأمور الغامضة في جزئية التغيير، يقول: “أما عندنا فإن العناوين الحديثة تتحول متحجّرات فكرية، أي مقولات هشّة، مستهلكة، خاوية، كما يتجسّد ذلك في خطب المثقفين والدُعاة الذين باتوا أشبه بديناصورات حداثية. ولذا تراهم يتخيّلون مستقبل العرب الآتي كما كان ماضي أوروبا الآفل.
لكنهم لا يمارسون التخيّل على سبيل الخلق والابتكار، من أجل تجديد العناوين والمفاهيم. لأن الشاغل والمقصد ليس فهم المجريات وإنتاج معارف ثمينة أو شبكات مفهومية فعّالة حول الواقع والعالم، بل المناضلة مدافعةً وتبجيلاً، أو هجوماً وتبخيساً. والحصيلة هي تراجع لا تقدّم، تعطيل للطاقة وليس إطلاقاً للقوى الحيّة، تفويت للفرص بدلاً من فتح الإمكانات والآفاق”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: والثورة ليست عيباً حينما يثور الإنسان على أفكاره القديمة، والنضال ليس سيئاً حينما يناضل الإنسان لتغيير نفسه وعاداته وأفكاره وآرائه. وهذا ما غاب عن ديناصورنا الثوري الفاضل!