يعيش الناس جدل القنوات الفضائية الدينية. ما بين الإغلاق والتهديد بالإغلاق. وأجد نفسي بين نارين، بين رأيي الإعلامي الذي يشجع على حرية التعبير التامة، وضرورة فتح المجال لكل الآراء، والجمهور يفرز، “فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”، و”البضاعة الجيدة تطرد البضاعة الرديئة”، ولولا الغثّ لما عرفنا السمين، وهذا الأمر يجري على الإعلام والفضائيات، كما يجري على غيرها. فلولا التافه لما عرفنا قيمة الرصين، والضدّ يظهر حسنه الضدّ. وبضدها تتمايز الأشياء.
النار الأخرى التي تكويني كما تكوي غيري تتعلق بموقفي كإنسان يخاف على مجتمعه من حمى “الطائفية”، التي إن استشرت قتلت الأخضر واليابس، لابد من تجفيف كل المنابع الطائفية التي تعزز الكراهية وتؤجج الحرب بين المجتمعين على دينٍ واحد وعلى أرضٍ واحدة. بين رؤية حرية الإعلام، وبين رؤية خطر الطائفية توزّع موقفي من هذا الجدل المستحكم وخاصةٍ أن البعض احتجّوا على إغلاق قناة تقوم بأدوار تحريضية من جانب السنة. نحن لا نريد أن يولد “ياسر حبيب” سني، بل نريد أن ينقرض نموذج “ياسر الحبيب” من الطرفين، فالتهدئة بين مختلف الطوائف ضرورة للأمن القومي والاجتماعي والديني.
هناك قنوات تعتمد على مقاييس “الهتّيفة” الذين يبحثون عن حفلات الكراهية في الفضائيات الدينية. ومن الطبيعي أن نعترف أن “الحكماء” قلة من بين ضيوف القنوات الفضائية، بل صارت مرتعاً للمتحمسين في الغالب الذين يستغلّون عواطف الناس ويشوشون على أمن الناس ورغبتهم في البعد عن الشحن والبغضاء والكراهية.
قال أبو عبدالله غفر الله له: أرى أن الإعلام حريته مشروطة بأن تكون حريةً “غير مضرّة”، وأخطر الأضرار وأشرسها تأجيج الصراعات الاثنية والعرقية والقبلية أو الطائفية والمناطقية حيث تدمّر تلك الفضائيات ولاءات الناس وتشحن الناس بالسموم. كما أن الفضائيات يجب أن تكون مبنيّة على أساس تجاري واقتصادي ومؤسسي حقيقي بحيث تخضع لأنظمة وقوانين تخول المتضرر بالانتصار لحقّ ينتهكه أيّ متحدثٍ لا أن تكون غرفاً مغلقة تضم مجموعة من أصحاب الصوت العالي.