أتعجّب من حال النفي المتبادل بين نخب السعودية، أن نقول فلان الذي كتب رواية ليس روائياً، وفلان صاحب القصيدة ليس شاعراً، وفلان صاحب القصة القصيرة ليس أديباً. أتذكر حينما نفى الدكتور عبدالله الغذامي أن يكون الدكتور تركي الحمد روائياً مثلاً. مع أن تركي الحمد له جماهيرية كبيرة ورواياته وصلت إلى القارئ، ولا تزال الصورة في ذاكرتي حينما كنا نتداول بعض رواياته “مصوّرةً” حينما كانت غير مفسوحة في السعودية، كان الناس يتبادلونها بخوف وشغف وكأنهم مدمنون يتبادلون جرعة يتلهفون لها ويخافون أن يراهم من لا يفهم حاجتهم.
قرأتُ بالأمس حوار “الوطن” الهاتفي مع الكاتبة ليلى الأحيدب حينما تحدثت عن زخم الرواية السعودية وهي تقول: “إن أنصاف المبدعين الذين توهموا أنهم روائيون سوف يفلسون ولايجدون ما يقولونه”، ومع أنني أتفق معها في أن الذي لا يجيد فنّ المهنة سيفشل في نهاية المطاف ما لم يطوّر أدوات مهنته ويعزز خبرته، لكن ما أختلف معها فيه استخدام مصطلح “الإفلاس” وهو مصطلح مثبّط. نعم هناك روايات كثيرة بسيطة وسطحية لكن لا يجب أن نحارب حتى الروائيين الذين أخفقوا، فلربما طوّروا آلياتهم وأدواتهم وصاروا فيما بعد من النجوم في عالم الرواية، لنأخذ أول رواية لكل مبدع شهير سنجد أنها تختلف كثيراً عن رواياته الحديثة بالتأكيد أن تجربة شحذ القلم وتجارب الحياة المختلفة ستغيّر طريقة الكتابة وسيكتب حينها الإنسان بطريقة أفضل.
حينما أمر على المكتبات في بيروت وأجد الروايات الجديدة الكثيرة التي لا يمكن للقارئ أن يجد متسعاً لقراءتها كلها أستبشر خيراً، لأن الرواية مهما كان مستوى تدني جودتها غير أن النظرة الأهم أنني أرى مجتمعي وهو يعبر عن نفسه بكل حرية، وأننا لم نسمع إلى اليوم عن سجن روائي سعودي بسبب روايته، هذه الحرية التي بدأت تتعزز هي ما تبينه لنا هذه الروايات الكثيرة. إن صدور بضع شهرياً لكتاب وكاتبات من السعودية، أمر مبهج، ولا يجب أن نكسر مجاديفهم تحت ذريعة صغر سنهم أو أنهم لا يفقهون شيئاً في الرواية. ربما تنطلق ليلى الأحيدب في رأيها من عمقها وما لها من باع طويل في مجال الكتابة والأدب، فهي تتمنى أن يبدأ الشباب من خلال ما انتهت هي إليه، مع أن هذا صعب لأن الإنسان ـ كل إنسان ـ يكتب من البداية لا من النهاية.
قلتُ: وما أجمل أن نرحب بأي إنتاج مهما كان مستواه، فسيذهب الزبدُ جفاءً وسيمكثُ ما ينفع الناسَ في الأرض!