لا يمكن لمتابع إلا أن يعتبر الحراك الاجتماعي في السعودية حراكاً استثنائياً على مستوى العالم العربي. سمعتُ هذا من المصريين والفلسطينيين والأردنيين واللبنانيين والخليجيين واليمنيين، على اعتبار أن السجال الذي يدور بين السعوديين لا يزال في إطاره الصحّي والطبيعي، غير أن ذلك السجال الذي بدأ فعلياً قبل ربع قرن قد اعتراه الكثير من الهفوات والحوارات الحادة وربما المستقوية بالحكومة ضد الطرف الآخر المحاوَر.
الكاتب والباحث السعودي: عبدالعزيز الخضر أخذ على عاتقه مهمة التأريخ لتلك المرحلة، في كتابه الذي حوى ثمانمئة صفحة، وكعادة أي عمل يعتريه الخطأ كما يعتريه الصواب. لكنه الكتاب الأكثر شمولاً والأغزر رصداً، من الطبيعي أن يشتكي البعض من تهميش شخصيات ورفع شخصيات، تبخيس مؤسسات وتضخيم أخرى، وفي نهاية الأمر هذه رؤية الخضر وحده، وما يكتبه المؤرخ عادةً ليس هو التاريخ؛ وإنما هو التاريخ كما يراه الكاتب وكما يرصده المؤلف. وكل إنسان يلفت نظره مشاهد معينة من مرحلة طويلة عريضة، لكن كان كتاب الخضر بحق هو الكتاب الأكثر غزارةً في رصد تاريخ السجال الفكري السعودي وهذا يكفيه.
عبد العزيز الخضر قبل أن يكون مؤلفاً كان كاتباً في صحيفة الوطن والشرق الأوسط، ورأس تحرير صحيفة المحايد ومجلة المجلة، وخاض التجربة الصحفية، مع أنه ضرب الكتاب السعوديين بنقد قوي لم يستوعبه البعض واستوعبه البعض الآخر، لكن النقد الحاد في النهاية هو ما يطهّر الساحة ونحتاجه في كثير من الأحايين. يقول الخضر: “إن كتابي موجه أصالة إلى المجتمع السعودي ليقرأ نفسه من الداخل، وهو ما يفسر استخدام الكتاب لبعض المفاهيم التي لا يمكن معرفة المقصود بها إلا من قارئ سعودي”.
من أبرز أفكاره اعتباره أن: “الخطاب الديني شوه مصطلح القومية، وفي فترة سابقة كان الانتماء الوطني عند الصحويين قيمة مناقضة للإسلام، ولكن أطياف التيار الإسلامي المختلفة انتبهت لبعض الأخطاء التي وقعت في الخطاب القديم، وبمقارنة الحاضر بالخطب والمحاضرات في فترة سالفة، نرى تطوراً في الخطاب ولكنه تطور بطيء”.
ينتقد الخضر شيوع ذهنية التخوين، مؤكداً موقفه في الدفاع عن النخب السياسية العراقية التي تعاملت مع واقع الاحتلال الأمريكي، فيقول: “إن رمي التهم وشيوع ذهنية التخوين ليس أمراً مكلفاً، ولكن التحدي السياسي أن تدخل النخب التجربة السياسية والاجتماعية”.
كتب الخضر تاريخاً غير مكتوب فحاز قصب المبادرة والسبق، والميدان مفتوح لمن أراد أن يترك بصمةً، لكن بصمة الخضر مميزة وإن اختلف معها آخرون.