لا أدري هل ظاهرة الرعب من ذكر اسم الأم أو الأخوات في المجتمع السعودي لا تزال قائمةً أم لا. لكنني أذكر في المدارس أن معرفة اسم الأم أو إحدى الأخوات، أو أي أنثى في البيت، كانت كارثةً من الكوارث. وربما غاب الابن عن الحارة وانزوى عن الملاعب، وعاش في قلقٍ دائم وحرج مستديم بسبب تسرب اسم واحدة من نساء بيته لصحبه. وفي حلقة من حلقات “طاش” يعلم الشباب أن اسم أم زميلهم “منيرة” ويصبح حينها اسم الأم عيباً. وقد أراد أحدهم شتمي مرةً فقال لي: “يا ولد مزنة”، ولم يعلم أنه ناداني بأحب الأسماء إليّ، وهو اسم أمي رحمها الله. أذكر أن صديقاً أقنع في أميركا زميله المبتعث السعودي الجديد، حينها، في أواخر التسعينات، بضرورة أن يقول له اسم أمه “نحن هنا مختلفون ولسنا مثل السعودية، ولأؤكد لك فاسم أمي فلانة”، فوقع الآخر في فخ التصديق، وقال له اسم أمه، فانطلق الأول يركض في الشارع معلناً له أنه “كسر عينه”، لأنه عرف اسم أم صديقه، فيما أعطاه اسماً وهمياً لوالدته!
لكن بعض فئات المجتمع لا حرج لديها مع أسماء الإناث، بل إن نوال السعداوي دعت إلى تسمية الإنسان ونسبته إلى أمه بدلاً من أبيه، لأنها هي التي تعبت عليه وربته وحملته في بطنها تسعة أشهر. وكتبت الصحفية الزميلة إيمان السالم في (الحياة) عن هذه المعضلة الاجتماعية، التي مهما كانت تافهة وبسيطة إلا أنها تبين كم نحن مرتهنون لأمراض قديمة لم نتجاوزها ولم نبارح مكاننا إزاءها. تقول: “يشعر كثيرون من الرجال السعوديين بالحرج بسبب أسماء نسائهم. يحجبونها في أحاديثهم بـ”ورق توت” من الأسماء الحركية المشفرة كـ”الأهل” و “العيال” و “أم الأولاد” و “الكريمة”، إلخ. يتعاملون مع تلك الأسماء الحقيقية كـ”سوأة” يخشون إطلاع الآخرين عليها. ليس في عالمهم الواقعي فحسب، ولكن في الفضاءات الإلكترونية أيضاً”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: اللافت أن العرب والصحابة ومن بعدهم لم يكن لديهم حرج في أسماء نسائهم. لست عالم اجتماع لأبحث من أين تسلل هذا العيب، لكن ربما أن الخوف من العين من جهة، أو عودة الجاهلية الأولى التي تخفي اسم البنت لأنه عورة حسب فهمهم ورأيهم. مع أننا نعرف زوجات الرسول ونساءه وهنّ أفضل من زوجات المجتمع ونسائه. ولكنه الجهل حين يطغى، والرغبة في التشابه الاجتماعي بين الناس حينما يسيطر. تنقل السالم في تقريرها عن أحمد بن باز قوله: “الرسول عليه الصلاة والسلام كان يذكر اسم زوجاته وبناته وأما ما يحدث الآن فهي أشياء تعود لثقافة العيب الموجودة لدينا، وهذه مشكلة النظرة الدونية للمرأة والمفروض أن اسم الزوجة أمر عادي، فالله سبحانه وتعالى سمى الأشياء بأسمائها وأكرم الإنسان بأن سماه”.
قلتُ: وسمى الملك المحبوب عبدالله بن عبدالعزيز ـ أعاده الله إلينا سالماً ـ جامعة البنات الكبرى باسم عمته نورة، ولم يجد في هذا حرجاً أو عيباً، بل إن والده المؤسس كان يتعزوى بكونه أخو نورة!