“الجهاد” هذا المعنى الإسلامي الكبير يكاد أن يُختزل ليكون فقط في الجهاد بالقتل، مع أننا شهدنا خلال العقود الثلاثة الماضية تجديداً لكلمة “الجهاد”!
الشيخ يوسف القرضاوي ثم الشيخ سلمان العودة تحدثا كثيراً عن “الجهاد المدني” يعني أن يكون الإنسان في جهاد طوال الوقت مع نفسه، ومع إتقان عمله. حصر المتشددون الجهاد في الحزام الناسف والكلاشنكوف، لكن اليوم نحن أمام طريقة جديدة لتفسير الجهاد.
المرأة مجاهدة وهي تستيقظ باكراً ترعى أبناءها وتقوم على رعايتهم. والكاتب في زاويته، والفلاح في حقله، الجهاد يمكن أن يكون نصيراً للتنمية ويمكن أن يكون حليفاً للمجتمع المدني، بهذا نقطع الطريق على كل من تشدد وتشنج وأراد أن يحيل المجتمع إلى ثكنة عسكرية كبيرة.
الشريعة لم تحصر الشهادة بالذين يقتلون في المعارك، بل وزعت الشهادة على حالات كثيرة، بدءاً من الذي يموت دون عرضه، أو مقاوماً لمرضه، إلى الغريق، والجهاد ورد في القرآن بمعنى الجهاد بالكلمة كما في قوله تعالى: “وجاهدهم به جهاداً كبيراً”.
استمعتُ بالصدفة إلى محاضرة عن “الجهاد في سبيل الله” لأحد الدعاة والمشايخ السعوديين، ألقى هذه المحاضرة على جمع غفير من المواطنين “المدنيين” لا “العسكريين”. كأنه يطالب المواطنين بأن يخصصوا جزءاً من بيوتهم للأسلحة وشحذها والعناية بها استعداداً للجهاد العسكري المسلح، ومع أن النصوص الشرعية التي جاء بها صحيحة وصريحة لكن المحاضرة افتقدت عنصر الوعي بالواقع ومستجدات العصر.
ليست لدي مشكلة مع أي خطبة عن الجهاد تلقى على الجيش السعودي، أو قوى الأمن، وأي مؤسسة أمنية تقوم على حماية الوطن من المتطرفين والمعتدين لأن هذا هو عملهم أساساً، وهناك جزء من العسكريين في الدولة أطلقت عليهم الحكومة اسم “المجاهدين”، هؤلاء يصلح أن تلقى عليهم محاضرات طويلة عريضة عن فضل الشهادة وعن الجهاد في سبيل الله، لكن ما لا فائدة منه أن يلقي الداعية محاضرةً عن الجهاد على آباء أسر، وعلى شباب في الجامعات أو طلاب ثانوية عامة أو متدربين في معاهد التدريب التقني. لأننا سنشهد حينها تمرداً على المؤسسة العسكرية والأمنية التي صنعتها الدولة.
الجهاد الذي يصلح للمدنيين هو جهاد النفس والاجتهاد في أن يكون الإنسان صالحاً ناصحاً، أما الجهاد بالسنان والسيف والأسلحة الخفيفة والثقيلة فيمكن أن تطرح المحاضرات عنها على العسكريين في الثكنات والجبهات ومعسكرات القتال. والله أعلم.