ستسيل الأقلام خلال الأشهر والسنوات المقبلة للحديث عن تونس. هذا البلد الذي أراد شعبه أن يختار. قرر ثم مشى في الشارع وحصل على ما أراد. الذين راهنوا على تغيير من الخارج لم تصدق تنبؤاتهم. التغيير جاء من الداخل، من داخل النفوس والجموع التونسية. لم يأتِ أحد من الخارج ليقيم الثورة التونسية العارمة. بل جاء التوانسة من الأحياء والأماكن التي يسكنونها.
عمليات السلب والنهب التي يقوم بها قطاع الطرق والمرتزقة خطيرة للغاية، لكنها لن تطول، الجيش سيسيطر على بقية البلاد، وسيأخذ المعتدين إلى العدالة لكنها آثار الثورة العادية التي لا بد أن تأتي وبخاصةٍ إذا تذكرنا أن أحد مديري السجون أطلق آلاف المجرمين إلى الشارع، لكن محاولات النظام السابق أن يخرب بيوت التونسيين وشوارعهم لن تفلح، لأن الشعب التونسي واع بالقصة تماماً، أمس رآهم العالم وهم يكنسون الشارع، نفس المتظاهرين بعد أن أنهوا الثورة والمظاهرة أخذوا المكانس والحاويات وبدؤوا في تنظيف الشوارع.
لكن كيف يمكن لتونس أن تبدأ مرحلتها الجديدة؟! هل تضيعها بملاحقات عقيمة لنظام سابق؟! أم تبدأ عصراً جديداً وعهداً زاهياً؟!
أرى أن من الخطورة بمكان أن يمارس التوانسة تفرغاً لمحاسبة أزلام النظام السابق على الماضي كما فعل العراقيون، سقط النظام وهذه أكبر عقوبة له، يكفيه ما جرى له من تشريد وطرد، الآن على التونسيين التفرغ للمستقبل وطي صفحة الماضي، وبناء نظام ديموقراطي جديد ينتصر للإنسان وحريته. وهذا هو الرهان الذي ينتظره التونسيون وهو الذي سيحقق لهم العيش الرغيد والمستقبل المشرق.
مثلما كنس الشباب في شوارع تونس النفايات، يجب أن يكنسوا الماضي السحيق، العقدان الماضيان أصبحا الآن من التاريخ، ما يهم الناس أن ينطلقوا في شوارع الحياة وأن يبدؤوا عهداً جديداً زاهياً مليئاً بالعمل والإتقان والإخلاص لهذا البلد والتراب.
الأطفال الذين بين أيديكم الآن سيذكرون هذا الحدث جيداً، سيعلمون أنه التاريخ الفاصل والحاسم في مسيرة تونس، لكن الخطر الأكبر الذي لا نحبذه هو أن تنتقل عدوى العراق إلى تونس، والبركة في المخابرات التي تريد أن تقمع أي نموذج حيوي يمكن أن “يخرب” بقية الشعوب، حمى الله تونس من كل سوء.