العاطفة والعقل هما الجناحان اللذان يدرك بهما الإنسان العالم. وحين يتغلب أحدهما على الآخر تحدث حالة من عدم التوازن. لهذا طالبتُ من قبل بـ”عقلنة عواطفنا”، لتكون موزونة فلا ننجر ولا نتعاطى مع الأحداث كما تفعل جماهير كرة القدم، مع الاحترام لها، بحيث يكون الموقف من الحدث، معه أو ضده، له مبرراته العقلية والمنطقية. مع التأكيد على أن العقل إن كانa جامداً هامداً لا ينتمي لأي حدث ولا يتعاطف مع أي مشكلة أو مأساة فإن هذا هو الموت المبكر بعينه. فإن لا يعتني الإنسان بقضايا أخيه الإنسان عاطفياً، بل يأخذ كل شيء بالعقل حينها تحدث كارثة إنسانية على المستوى الأخلاقي ربما!
خلال الأشهر الماضية ترددت على أذني كلمة “نحن شعب عاطفي” مراتٍ كثيرة، قررتُ أن أتوقف عند هذه الكلمة. هل نحن معاشر السعوديين والعرب شعوب عاطفية فعلاً؟ نظرتُ وإذا العاطفة التي تجتاح الناس عاطفة عادية. التعاطف مع الكويتيين أثناء حرب الخليج، التعاطف مع الشعب العراقي أثناء الغزو الأميركي، التعاطف الآن مع الشعب التونسي والمصري والليبي، تعاطف جيد وإيجابي ولا أرى فيه الكثير من الحماس والاندفاع وتكسير المحلات. أناس يكتبون قصائد في الحدث، أو يرسلون مشاعر في بريد القراء، ويتبادلون الحديث عن تلك المشاكل في المجالس والمقاهي. هل يجب أن يكون الإنسان صلداً صلباً كالكوز مجخّياً لا يتأثر بمشهد ولا يتعاطف مع حدث حتى يكون عقلانياً؟.
وحين تعاطف الشعب السعودي مع الطالب حميدان التركي المسجون في أميركا، والذي خفف أمس الأول الحكم عليه وتبقى عليه ثلاث سنوات ونصف عجلها الله عليه وأحبابه، نادى بعضهم بالمنطق، وبدراسة القضية لتعرف هل تتعاطف أم لا تتعاطف، حتى إن أحدهم كتب بضرورة دراسة القضية قبل أن يتعاطف معها أي سعودي. وهذه مشكلة العقل حينما يخلو من العاطفة. التعاطف الشعبي لم يأت على أساس أنه مدان أو غير مدان، بل لأنه مواطن سعودي يتمنون له النجاة من كل مسار المحاكمة وأن يعود إلى بيته وأولاده، هكذا ببساطة من دون تشقيق أو تفصيل.
من يسمع وصف الشعب السعودي بأنه “عاطفي” يظنّ أن الناس تنثر الدموع دخولاً وخروجاً من البيوت، أو أن الشموع مرفوعة من نوافذ البيوت، أو أن الصراخ والبكاء قد غطى مدن البلاد. في الواقع أرى أن عاطفة الشعب السعودي مع القضايا في كثير من تجلياته كان تعاطفاً عقلانياً معقولاً، مع التأكيد على أن الحديث العام يشوبه كثير من الاستثناءات بطبيعة الحال!.