بيب نفسي على إحدى القنوات العربية، يتحدث عن الأطفال وأنّ الزمن الذي يعيشونه غير الزمن الذي عاشه الآباء، ومن باب أولى هو غير الزمن الذي عاشه الأجداد. لهذا فالذين لا يستوعبون اهتمامات أطفالهم، ولا يمارسون معهم الحوار والنقاش ينعزلون عنهم ويكونون في منزلة من هو لا في العير ولا في النفير، لا هم الذين دخلوا إلى اهتمامات أطفالهم ولا هم الذين عاشوا زمنهم بكل ما فيه. فلدى الأطفال اليوم اهتمامات هي ذروة في الاختلاف عن اهتمامات الأجيال السابقة كلها.
أعرف الكثير من الآباء الذين يتغيّرون بفضل أطفالهم وأولادهم، وأنا واحدٌ منهم، في كثيرٍ من الأحيان أعرف أسرار عصب العصر من حديثي أو متابعتي لأطفالي. اهتمامات تشرح فعلياً سيرورة الزمن ومدار حركة العصر. حين يقلّب أولادي الأجهزة التقنية الحديثة الصادرة منذ أشهر ويستخدمونها بحرفيةٍ عالية، فأعرف أن الزمن يسير بسرعة البرق، وهكذا كلما تأمل الإنسان الجيل الجديد يصاب بالذهول من قوة التطور التكنولوجي السريع الذي لا يقوى على استيعابه.
حين يستخدم الطفل “الآيباد” بكل احتراف، فإنه يقدم لذويه من الذين يكبرونه سناً دروساً مجانية لكل الأسرار التي يحملها الجهاز. أعرف بعض الكبار من الكتاب يدير أولادهم الصغار حساباتهم على “فيسبوك” وعلى “تويتر” يكون ذلك الأب لديه الجوال العادي يرسل “مسجات” لابنه على جواله ثم يقوم ابنه بإدخالها عبر “الآيباد” أو أي جهازٍ من الأجهزة التقنية الحديثة. ولعمري أنه التقدم التقني الذي فصل بين جيلين ليس فصلاً تعسفياً أو قسرياً أو قهرياً، وإنما فصل يعبر عن اختلاف جيلين وتنوع الاهتمامات بين الأمس البعيد والزمن الآني الحالي المُعاش!
ليت الآباء بدلاً من السخرية باهتمامات الأطفال يتعلمون من أبنائهم. فيجلسون معهم متتلمذين، لأن حركة العصر في وعي الأبناء أوضح منها في عقل الآباء، لنكن صرحاء مع أنفسنا ونعترف بأن جيلنا الغابر المليء بالورق والأحبار وأطنان الرزم والكتب الصفراء غيره زمن “الآيباد” و “الآيفون” بكل الأجيال التي تصدر، بل غيرته حتى ألعاب الأطفال وطريقة رؤيتهم للأمور.
لنستفد من الزوايا التي يرى من خلالها الأطفال العالم، وليعكف الآباء على دراسة مستجدات الزمن والغوص في العصر من خلال نافذة الأبناء. حفظ الله لكم فلذات الأكباد!